كلُّ واحِدٍ مِنهما مُنكِرًا مِنْ وَجْهٍ، واليَمينُ وَظيفةُ المُنكِرِ في أُصولِ الشَّرعِ؛ ولِهَذا جَرَى التَّحالُفُ قبلَ القَبضِ في بَيعِ العَينِ، والتَّحالُفُ هَهُنا قبلَ القَبضِ؛ لأنَّهما اختَلفا قبلَ استِيفاءِ المَنفَعةِ.
وَإذا تَحالَفَا قبلَ مُضيِّ شَيءٍ مِنْ المدَّةِ، أوِ العَملِ، تُفسَخُ الإجارةُ، ورَجعَ كلُّ واحِدٍ مِنهما في مالِه، وأيُّهُما نَكَلَ لَزِمَه دَعوَى صاحِبِه؛ لأنَّ النُّكولَ بَذْلٌ أو إقرارٌ، والبَدَلُ والمُبدَلُ كلُّ واحِدٍ مِنهما يَحتَمِلُ البَذْلَ والإقرارَ.
وَكَذا إذا اختَلفا بعدَ مُضيِّ مدَّةٍ مِنْ العَملِ أو السُّكنَى يَتحالَفانِ عندَ الشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ، فإذا فُسِخَ العَقدُ بعدَ المدَّةِ، أو مُضيِّ شَيءٍ مِنها، سقطَ المُسمَّى، ووجبَ أُجرةُ المِثلِ، كَما لَوِ اختَلفا في المَبيعِ بعدَ تَلَفِه، وسَواءٌ كانَتْ أُجرةُ المِثلِ أقَلَّ ممَّا ادَّعاه المُكرِي أو أكَثَرَ؛ لأنَّها قِيمةُ مُتلَفٍ.
وقالَ الحَنفيَّةُ: إنْ كانَ اختِلافُهما بَعدَما استَوفَى المُستَأجِرُ بَعضَ المَنفَعةِ، بأنْ سَكَنَ الدَّارَ المُستَأجَرةَ بَعضَ المدَّةِ، أو رَكِبَ الدَّابَّةَ المُستَأجَرةَ بَعضَ المَسافةِ، ثم اختَلفا، فالقولُ قولُ المُستَأجِرِ فيما مَضَى، مع يَمينِه، ويَتَحالَفانِ، وتُفسَخُ الإجارةُ فيما بَقيَ؛ لأنَّ العَقدَ على المَنافِعِ يَكونُ ساعةً فساعةً، على حَسَبِ حُدوثِها شَيئًا فشَيئًا، فكانَ كلُّ جُزءٍ مِنْ أجزاءِ المَنفَعةِ مَعقودًا عليه، مُبتَدَأً، فكانَ ما بَقيَ مِنْ المدَّةِ والمَسافةِ مُنفَرِدًا بالعَقدِ، فيَتَحالَفانِ فيه، بخِلافِ ما إذا هَلَكَ بَعضُ المَبيعِ، على قَولِ أبي حَنيفَةَ أنَّه لا يثبُتُ التَّحالُفُ عِندَه؛ لأنَّ البَيعَ وَردَ على جُملةٍ واحِدةٍ، وهي العَينُ القائِمةُ لِلحالِ، وكلُّ جُزءٍ مِنْ المَبيعِ لَيسَ مَعقودًا عليه مُبتَدَأً، إنَّما الجُملةُ مَعقودٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute