للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنا: قولُ النَّبِيِّ : «لَيسَ لِعِرقٍ ظالِمٍ حَقٌّ» (١)، مَفهومُه أنَّ ما لَيسَ بظالِمٍ له حَقٌّ، وهذا لَيسَ بظالِمٍ، ولأنَّه غَرَسَ بإذْنِ المالِكِ ولَم يَشرُطْ قَلعَه، فلَم يُجبَرْ على القَلعِ مِنْ غيرِ ضَمانِ النَّقصِ، كَما لَوِ استَعارَ منه أرضًا لِلغَرسِ مدَّةً، فرَجعَ قبلَ انقِضائِها، ويُخالِفُ الزَّرعَ؛ فإنَّه لا يَقتَضي التَّأبيدَ.

فَإن قيلَ: فإنْ كانَ إطلاقُ العَقدِ في الغِراسِ يَقتَضي التَّأبيدَ فشَرطُ القَلعِ يُنافي مُقتَضَى العَقدِ؛ فيَنبَغي أنْ يُفسِدَه.

قُلْنا: إنَّما اقتَضَى التَّأبيدَ مِنْ حَيثُ إنَّ العادةَ في الغِراسِ التَّبْقِيَةُ؛ فإذا أطلَقَه حُمِلَ على العادةِ، وإذا شرطَ خِلافَه جازَ، كَما إذا باعَ بغَيرِ نَقدِ البَلَدِ، أو شرطَ في الإجارةِ شَرطًا يُخالِفُ العادةَ.

إذا ثبَتَ هَذا؛ فإنَّ ربَّ الأرضِ يُخيَّرُ بينَ ثَلاثةِ أشياءَ:

أحَدُها: أنْ يَدفَعَ قِيمةَ الغِراسِ والبِناءِ فيَملِكَه مع أرضِه.

والثَّاني: أنْ يَقلَعَ الغِراسَ والبِناءَ، ويَضمَنَ أرشَ نَقْصِه.

والثَّالث: أنْ يُقِرَّ الغِراسَ والبِناءَ ويَأخُذَ منه أجْرَ المِثلِ؛ وبِهَذا قالَ الشافِعيُّ.

وقالَ مالِكٌ : يُخيَّرُ بينَ دَفْعِ قِيمَتِه فيَملِكُه، وبَينَ مُطالَبتِه بالقَلعِ مِنْ غيرِ ضَمانٍ، وبَينَ تَرْكِه، فيَكونانِ شَريكَيْنِ وليسَ بصَحيحٍ، لأنَّ الغِراسَ مِلْكٌ لِغارِسِه، لَم يُدفَعْ إليه عنه عِوَضٌ، ولا رَضيَ بزَوالِ مِلْكِه عنه، كَسائِرِ


(١) رواه أبو داود (٣٠٧٣)، والتِّرمذي (١٣٧٨)، والنَّسائي في «الكبرى» (٥٧٦١)، والدَّارَقُطني (١٣٧٨)، والبَيْهَقي في «الكبرى» (٦/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>