للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومتى أرادَ المُستَأجِرُ زَرعَ شَيءٍ لا يُدرَكُ مِثلُه في الإجارةِ، فلِلمالِكِ مَنْعُه؛ لأنَّه سَبَبٌ لِوُجودِ زَرعِه في أرضِه بغَيرِ حَقٍّ، فملكَ مَنْعَه مِنه؛ فإنْ زَرَعَ لَم يَملِكْ مُطالَبتَه بقَلعِه قبلَ المدَّةِ؛ لأنَّه في أرضٍ يَملِكُ نَفْعَها، ولأنَّه لا يَملِكُ ذلك بعدَ المدَّةِ، فقَبْلَها أَوْلَى، ومَن أوجَبَ عليه قَطعَه بعدَ المدَّةِ، قالَ: إذا لَم يكُنْ بُدٌّ مِنْ المُطالَبةِ بالنَّقلِ تَكُونُ عندَ المدَّةِ التي يُستحَقُّ فيها تَسليمُها إلى المُؤجِّرِ فارِغةً.

وَإذا اكتَرى الأرضَ لِزَرعٍ مدَّةً لا يَكمُلُ فيها، مثلَ أنْ يَكتَريَ خَمسةَ أشهُرٍ لِزَرعٍ لا يَكمُلُ إلَّا في سَنةٍ، نَظَرْنا؛ فإنْ شرطَ تَفريغَها عندَ انقِضاءِ المدَّةِ ونَقلَه عَنها، صَحَّ؛ لأنَّه لا يُفضي إلى الزِّيادةِ على مدَّتِه، وقَد يَكونُ له غَرَضٌ في ذلك؛ لِأخذِه إيَّاه قَصيلًا، أو غَيرَه، ويَلزَمُه ما التَزَم، وإنْ أطلَقَ العَقدَ ولَم يَشتَرِطْ شَيئًا احتَمَلَ أنْ يَصحَّ؛ لأنَّ الِانتِفاعَ بالزَّرعِ في هذه المدَّةِ مُمكِنٌ، واحتَمَلَ أنَّه إنْ أمكَنَ أنْ يَنتفِعَ بالأرضِ في زَرعٍ ضَرَرُهُ كَضَرَرِ الزَّرعِ المَشروطِ، أو دُونَه، مثلَ أنْ يَزرَعَها شَعيرًا، يَأخُذُه قَصيلًا، صَحَّ العَقدُ؛ لأنَّ الِانتِفاعَ بها في بَعضِ ما اقتَضاه العَقدُ مُمكِنٌ، وإنْ لَم يكُنْ كذلك لَم يَصحَّ؛ لأنَّه اكتَرى لِلزَّرعِ ما لا يَنتفِعُ به، أشبَهَ إجارةَ السَّبخةِ لَه.

فَإنْ قُلْنا: يَصحُّ؛ فإنِ انقَضَتِ المدَّةُ ففيه وَجهانِ:

أحَدُهما: حُكمُه حُكمُ زَرعِ المُستَأجِرِ، لِمَا لا يَكمُلُ في مدَّتِه؛ لأنَّه ههُنا مُفَرِّطٌ، واحتَمَلَ أنْ يَلزَم المُكرِي تَرْكُه بالأجْرِ؛ لأنَّ التَّفريطَ منه حَيثُ أكراه مدَّةً لِزَرعٍ لا يَكمُلُ فيها، وإنْ شرطَ تَبقِيَتَه حتى يَكمُلَ فالعَقدُ فاسِدٌ؛ لأنَّه جَمْعٌ بينَ مُتضادَّيْنِ، فإنَّ تَقديرَ المدَّةِ يَقتَضي النَّقلَ فيها، وشَرْطُ التَّبقِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>