للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَراهَتَها؛ جَمْعًا بينَ الأخبارِ الوارِدةِ فيها، وتَوفيقًا بينَ الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ عليها، واللَّهُ أعلمُ (١).

وقالَ ابنُ القيِّمِ : وأمَّا إعطاءُ النَّبيِّ الحَجَّامَ أجْرَه فلا يُعارِضُ قَولَهُ: «كَسْبُ الحَجَّامِ خَبيثٌ»؛ فإنَّه لَم يَقُلْ: إنَّ إعطاءَه خَبيثٌ، بَلْ إعطاؤُه إمَّا واجِبٌ، وإمَّا مُستحَبٌّ، وإمَّا جائِزٌ، ولَكِنْ هو خَبيثٌ بالنِّسبةِ إلى الآخِذِ، وخُبثُه بالنِّسبةِ إلى أكْلِه، فهو خَبيثُ الكَسْبِ، ولَم يَلزَمْ مِنْ ذلك تَحريمُه، فقَد سَمَّى النَّبيُّ الثُّومَ والبَصَلَ خَبيثَيْنِ، مع إباحةِ أكلِهِما، ولا يَلزَمُ مِنْ إعطاءِ النَّبيِّ الحَجَّامَ أجْرَه حِلُّ أكْلِه، فَضلًا عَلى كَوْنِ أكْلِه طَيِّبًا؛ فإنَّه قالَ: «إنِّي لَأُعطي الرجُلَ العَطيَّةَ يَخرُجُ بها يَتأبَّطُها نارًا»، والنَّبيُّ قد كانَ يُعطي المُؤَلَّفةَ قُلوبُهم مِنْ مالِ الزَّكاةِ والفَيءِ، مع غِناهُم وعَدَمِ حاجَتِهم إلَيه؛ لِيَبذُلوا مِنْ الإسلامِ والطَّاعةِ ما يَجِبُ عليهم بَذْلُه بدُونِ العَطاءِ، ولا يَحِلُّ لَهم تَوَقُّفُ بَذْلِه على الأخْذِ، بَلْ يَجِبُ عليهمُ المُبادَرةُ إلى بَذْلِه بلا عِوَضٍ، وهذا أصْلٌ مَعروفٌ مِنْ أُصولِ الشَّرعِ أنَّ العَقدَ -أو البَذْلَ- قد يَكونُ جائِزًا أو مُستحَبًّا أو واجِبًا مِنْ أحَدِ الطَّرفَيْنِ، مَكروهًا أو مُحرَّمًا مِنْ الطَّرفِ الآخَرِ، فيَجِبُ على الباذِلِ أنْ يَبذُلَ، ويَحرُمُ على الآخِذِ أنْ يَأخُذَه.

وَبِالجُملةِ فخُبثُ أجْرِ الحَجَّامِ مِنْ جِنسِ خُبثِ أكْلِ الثُّومِ والبَصَلِ، لَكنَّ هذا خَبيثُ الرَّائِحةِ، وهذا خَبيثٌ لِكَسْبِهِ (٢).


(١) «المغني» (٥/ ٤١٣، ٤١٤)، و «الكافي» (٢/ ٣٠٢)، و «مجموع الفتاوى» (٣٠/ ١٩٢).
(٢) «زاد المعاد» (٥/ ٧٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>