للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعُثمانَ بنِ عَفَّانَ قَدِمَ عليه، فسَألَه عن كَسْبِه، فقالَ: «غَلَّةُ حَجَّامٍ أو حَجَّامَيْنِ. فقالَ: إنَّ كَسَبَكُم لَدَنيءٌ، أو قالَ: لَوَسِخٌ»، فعلى هذا يُكرَهُ مع ذلك كَسْبُ السَّمَّاكِ، والدَّبَّاغِ، والحَلَّاقِ والقيِّمِ.

واختُلِفَ على هذا في كَسْبِ الحَجَّامِينَ على وجهيْنِ:

أحَدُهما: مَكروهٌ، دَنيءٌ؛ لأنَّه يُشاهِدُ العَوراتِ ويَتكَسَّبُ بِغَيرِ مُقدَّرٍ.

والوَجْهُ الآخَرُ: لا يُكرَهُ كَسْبُه؛ لأنَّه لا يُباشِرُ عَملًا، ويُمكِنُه غَضُّ طَرْفِه عن العَوراتِ، وليسَ يَتكسَّبُ بمُباشَرَتِها؛ فإنْ أرسَلَ طَرْفَه صارَ كَغَيرِه مِنْ النَّاسِ. وكذلك نَظائِرُ ما ذَكَرْناه، وجَميعُ هذا مَكروهٌ لِلأحرارِ.

فَأمَّا العَبيدُ ففيهم وَجهانِ:

أحَدُهما: يُكرَهُ لَهُم؛ كالأحرارِ، وهو قولُ الأكثَرينَ.

والوَجهُ الآخَرُ: لا يُكرَهُ لَهُم؛ لأنَّهم أدْنَى مِنْ الأحرارِ، فلْيَتَأهَّبوا أدنَى الِاكتِسابِ، فإنْ أخَذَ سادَاتُهم كَسبَهم كُرِهَ لَهم أنْ يَأكُلوه، ولَم يُكرَهْ لَهم أنْ يُطعِموه رَقيقَهم، وبَهائِمَهم؛ لأنَّ النَّبيَّ قالَ لِمُحَيِّصةَ حينَ سَألَه عَنهُ: «اعلِفُه ناضِحَكَ وأطعِمْه رَقيقَكَ»، واللَّهُ أعلمُ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : ولأنَّها مَنفَعةٌ مُباحةٌ لا يَختَصُّ فاعِلُها أنْ يَكونَ مِنْ أهلِ القُربةِ، فجازَ الِاستِئجارُ عليها؛ كالبِناءِ والخِياطةِ، ولأنَّ بالنَّاسِ حاجةً إلَيها، ولا نَجِدُ كلَّ أحَدٍ مُتبرِّعًا بها، فجازَ الِاستِئجارُ عليها، كالرَّضاعِ، وقولُ النَّبيِّ في كَسْبِ الحَجَّامِ: أطعِمْهُ رَقيقَكَ، دَليلٌ على


(١) «الحاوي الكبير» (١٥/ ١٥٢، ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>