للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجَوابُ عن الأولِ: أنَّ القِياسَ على الدُّعاءِ لا يَستَقيمُ؛ فإنَّ الدُّعاءَ فيه أمرانِ:

أحَدُهما: مُتعلِّقُه الذي هو مَدلولُه، نَحوَ المَغفِرةِ في قَولِهِم: اللَّهمْ اغفِرْ لَه، والآخَرُ ثَوابُه؛ فالأولُ هو الذي يُرجَى حُصولُه لِلمَيِّتِ، ولا يَحصُلُ إلَّا لَهُ؛ فإنَّه لَم يَدْعُ لِنَفْسِه، وإنَّما دَعا لِلمَيِّتِ بالمَغفِرةِ.

والآخَرُ: وهو الثَّوابُ على الدُّعاءِ، فهو الدَّاعي فقَطْ، وليسَ لِلمَيِّتِ مِنْ الثَّوابِ على الدُّعاءِ شَيءٌ؛ فالقِياسُ على الدُّعاءِ غَلَطٌ وخُروجٌ مِنْ بابٍ إلى بابٍ، وأمَّا الحَديثُ فإمَّا أنْ نَجعَلَه خاصًّا بذلك الشَّخصِ، أو أنْ نُعارِضَه بما تَقدَّمَ مِنْ الأدِلَّةِ، ونَعُدُّها أنَّها على وَفقِ الأصلِ؛ فإنَّ الأصلَ عَدَمُ الِانتِقالِ.

وَمِنَ الفُقهاءِ مَنْ يَقولُ: إذا قُرِئَ عندَ القَبرِ حَصَلَ لِلمَيِّتِ أجْرُ المُستَمِعِ، وهو لا يَصحُّ أيضًا؛ لِانعِقادِ الإجماعِ على أنَّ الثَّوابَ يَتبَعُ الأمْرَ والنَّهيَ، فما لا أمْرَ فيه ولا نَهْيَ لا ثَوابَ فيه، بدَليلِ المُباحاتِ وأربابِ الفَتَراتِ والمَوتَى، انقَطَعَ عَنهمُ الأوامِرُ والنَّواهي، وإذا لَم يَكونوا مَأْمورينَ لا يَكونُ لَهم ثَوابٌ، وإنْ كانوا مُستَمِعينَ، ألَا تَرى أنَّ البَهائِمَ تَسمَعُ أصواتَنا بالقِراءةِ ولا ثَوابَ لَها؛ لِعَدَمِ الأمْرِ لَها بالِاستِماعِ، فكذلك المَوتَى.

والَّذي يُتَّجَه أنْ يُقالَ ولا يَقَعُ فيه خِلافٌ أنَّه يَحصُلُ لَهُمْ بَرَكةُ القِراءةِ، لا ثَوابُها، كَما تَحصُلُ لَهُمْ بَرَكةُ الرجُلِ الصَّالِحِ، يُدفَنُ عِندَهم أو يُدفَنونَ عِندَهُ؛ فإنَّ البَرَكةَ لا تَتوقَّفُ على الأمْرِ؛ فإنَّ البَهيمةَ يَحصُلُ لَها بَرَكةُ راكِبِها أو مُجاوِرِها، وأمْرُ البَرَكاتِ لا يُنكَرُ؛ فقَد كانَ رَسولُ اللَّهِ تَحصُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>