وقالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ وزَكَرِيا الأنصاريُّ: الإجارةُ لِلقِراءةِ على القَبرِ مدَّةً مَعلومةً أو قَدْرًا مَعلومًا جائِزةٌ؛ لِلِانتِفاعِ بنُزولِ الرَّحمةِ حَيثُ يُقرَأُ القُرآنَ؛ وكالِاستِئجارِ لِلأذانِ، وتَعليمِ القُرآنِ، ويَكونُ المَيِّتُ كالحَيِّ الحاضِرِ، سَواءٌ أعَقَبَ القِراءةَ بالدُّعاءِ، أو جعلَ أجْرَ قِراءَتِه لَه، أو لا، فتَعودُ مَنفَعةُ القِراءةِ إلى المَيِّتِ في ذلك، ولأنَّ الدُّعاءَ يَلحَقُه، وهو بَعدَها أقَرَبُ إجابةً، وأكثَرُ بَرَكةً، ولأنَّه إذا جعلَ أُجرةَ الحاصِلِ بقِراءَتِه لِلمَيِّتِ فهو دُعاءٌ بحُصولِ الأجْرِ لَه، ويَنتفِعُ به، فقولُ الشَّافِعيِّ: إنَّ القِراءةَ لا تَصلُ إليه؛ مَحمولٌ على غيرِ ذلك.
بَلْ قالَ السُّبكيُّ تَبَعًا لِابنِ الرِّفعةِ: بعدَ حَمْلِه كَلامَهم على ما إذا نَوَى القارِئُ أنْ يَكونَ ثَوابُ قِراءَتِه لِلمَيِّتِ بغَيرِ دُعاءٍ، على أنَّ الذي دَلَّ عليه الخَبَرُ بالِاستِنباطِ أنَّ بَعضَ القُرآنِ إذا قُصِدَ به نَفْعُ المَيِّتِ نَفَعَه؛ إذْ قد ثبَتَ أنَّ القارِئَ لَمَّا قَصَدَ بقِراءَتِه نَفْعَ المَلدوغِ نَفَعَتْه، وأقَرَّ النَّبيُّ ﷺ ذلك بقَولِهِ:«وَما يُدريكَ أنَّها رُقيةٌ؟»، وإذا نَفَعَتِ الحَيَّ بالقَصدِ كانَ نَفْعُ المَيِّتِ بها أَوْلَى؛ لأنَّه يَقَعُ عنه مِنْ العِباداتِ بغَيرِ إذْنِه ما لا يَقَعُ عن الحَيِّ (١).
وقالَ النَّوَويُّ ﵀ في «الرَّوضةِ»: فَرعٌ: عن القاضي حُسَينٍ في «الفَتَاوَى» أنَّ الِاستِئجارَ لِقِراءةِ القُرآنِ على رَأْسِ القَبرِ مدَّةً، جائِزٌ؛ كالِاستِئجارِ لِلأذانِ، وتَعليمِ القُرآنِ.
(١) «تحبير المختصر» (٤/ ٥٦٦)، ويُنْظر: «المدونة» (١١/ ٤٢١)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٨٤)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٩).