المُستَأجِرِ لَيسَ فيه ذَهابُ القُرآنِ؛ فلا يَصحُّ قياسُها على التَّعليمِ على أنَّ أصْلَ المَذهبِ المَنعُ مُطلَقًا؛ وإنَّما أفتَى المُتأخِّرونَ بالجَوازِ على التَّعليمِ بالضَّرورةِ المَذكورةِ التي لَو وَقَعَتْ في زَمنِ أبي حَنيفَةَ، وأصحابِه، لَأفتَوْا بذلك، فلِذلك أفتَى المُتأخِّرونَ بالجَوازِ، مُخالِفينَ لِلمَذهبِ الصَّريحِ، ولَو زالَتِ الضَّرورةُ بأنِ انتَظَمَ أمْرُ بَيتِ المالِ وأُعطِيَ المُعلِّمونَ ما كانَ لَهم فيه، لَم يَسَعْ أحَدًا مِنْ المُتأخِّرينَ أنْ يُخالِفوا المَذهَبَ؛ لِزَوالِ العِلَّة التي سَوَّغَتْ لَهمُ الخُروجَ عن أصْلِ المَذهبِ، فكَيفَ يَسوغُ لِأحَدٍ القولُ بجَوازِ الِاستِئجارِ على التِّلاوةِ المُجرَّدةِ التي لَم تَدْعُ ضَرورةٌ أصلًا إلى جَوازِ الِاستِئجارِ عليها، فقَد ظَهرَ لَكَ أنَّ ما نقلَه المُؤَلِّفُ عن صُرَّةِ الفَتاوَى عن الحاوي قَولٌ شاذٌّ مُخالِفٌ لِلمَنقولِ في المُتونِ والشُّروحِ والفَتاوَى، والحاوي لِلزَّاهِدِيِّ مَشهورٌ بنَقلِ الرِّواياتِ الضَّعيفةِ.
وأمَّا قولُ صاحِبِ الجَوهَرةِ: إنَّ المُختارَ جَوازُ الِاستِئجارِ على تِلاوةِ القُرآنِ، فهو مُخالِفٌ لِكُتُبِ المَذهبِ، كَما عَلِمتَ، والظَّاهِرُ أنَّه سَبْقُ قَلَمٍ؛ لأنَّ الذي اختارَه المُتأخِّرونَ هو جَوازُ الِاستِئجارِ على تَعليمِ القُرآنِ، لا على تِلاوَتِه، فقَد سَبَقَ قَلَمُه مِنْ التَّعليمِ إلى التِّلاوةِ، وقَدِ اغتَر بكَلامِه كَثيرٌ مِنْ المُتأخِّرينَ؛ كَصاحِبِ البَحرِ والعَلائِيِّ وبَعضِ مُحْشِي الأشباهِ، وقَد أسمَعناكَ نُصوصَ المَذهبِ، فزالَ الِاشتِباهُ، وقَدْ ألَّفَ الإمامُ البِرْكَوِيُّ في هذه المَسألةِ أربَعَ رَسائِلَ صَرَّحَ فيها ببُطلانِ هذه الإجارةِ، وكَذا صَرَّحَ بذلك في آخِرِ كِتابِه «الطَّريقةُ المُحمَّديَّةُ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute