للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ طُمِسَتْ بَصيرَتُه، وقَد جَمَعتُ فيها رِسالةً سَمَّيتُها: (شِفاءُ العَليلِ وبَلُّ الغَليلِ في حُكمِ الوَصيَّةِ بالخَتماتِ والتَّهاليلِ)، وأتَيتُ فيها بالعَجَبِ العُجابِ لِذَوي الألبابِ، وما ذَكَرتُه هُنا بالنِّسبةِ إلَيها كَقَطرةٍ مِنْ بَحرٍ، أو شَذَرةٍ مِنْ عِقدِ نَحْرٍ، وأطلَعتُ عليها مُحْشِيَ هذا الكِتابِ فَقيهَ عَصرِه ووَحيدَ دَهرِه السَّيِّدَ أحمَد الطَّحاوي، مُفتي مِصرَ سابِقًا، فكَتَبَ عليها وأثْنَى الثَّناءَ الجَميلَ؛ فاللَّهُ يَجزِيهِ الخَيرَ الجَزيلَ، وكَتَبَ عليها غَيرُه مِنْ فُقهاءِ العَصرِ (١).

وقالَ ابنُ عابِدينَ في «الفَتاوَى الحامِديَّةِ»: ولا شَكَّ أنَّ التِّلاوةَ المُجرَّدةَ عن التَّعليمِ مِنْ أعظَمِ الطَّاعاتِ التي يُطلَبُ بها الثَّوابُ، فلا يَصحُّ الِاستِئجارُ عليها؛ لأنَّ الِاستِئجارَ بَيعُ المَنافِعِ، وليسَ لِلتَّالي مَنفَعةٌ سِوَى الثَّوابِ، ولا يَصحُّ بَيعُ الثَّوابِ، ولأنَّ الأُجرةَ لا تُستحَقُّ إلَّا بعدَ حُصولِ المَنفَعةِ لِلمُستَأجِرِ، ولأنَّ الثَّوابَ غيرُ مَعلومٍ، فمَنِ استَأجَرَ رَجُلًا لِيَختِمَ له خَتمةً ويُهديَ ثَوابَها إلى رُوحِه، أو رُوحِ أحَدٍ مِنْ أمواتِه، لَم يُعلَمْ حُصولُ الثَّوابِ له حتى يَلزَمه دَفعُ الأُجرةِ؛ ولَو عُلِمَ حُصولُه لِلتَّالي لَم يَصحَّ بَيعُه بالأُجرةِ، فكَيفَ وهو غيرُ مَعلومٍ؟ بَلِ الظَّاهِرُ العِلمُ بعَدَمِ حُصولِهِ؛ لأنَّ شَرطَ الثَّوابِ الإخلاصُ لِلَّهِ تَعالى في العَملِ، والقارِئُ بالأُجرةِ إنَّما يَقرَأُ لِأجْلِ الدُّنيا، لا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعالى، بدَليلِ أنَّه لَو عَلِمَ أنَّ المُستَأجِرَ لا يَدفَعُ له شَيئًا لا يَقرَأُ له حَرفًا واحِدًا، خُصوصًا مَنْ جعلَ ذلك حِرفَتَه، ولِذا قالَ تاجُ الشَّريعةِ في شَرحِ الهِدايةِ: إنَّ قارِئَ القُرآنِ بالأُجرةِ لا يَستَحقُّ الثَّوابَ، لا لِلمَيِّتِ ولا لِلقارِئِ.


(١) «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٥٦، ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>