القولُ الثَّاني: هو قولُ المالِكيَّةِ وابنِ عَقيلٍ مِنْ الحَنابِلةِ أنَّه يَجوزُ استِئجارُ الفَحلِ لِذلك، إذا كانَ على دُفُعاتٍ مَعلومةٍ؛ لأنَّه عَقدٌ على مَنافِعِ الفَحلِ، ونَزْوِه على الأُنثَى، وهي مَنفَعةٌ مَقصودةٌ، وماءُ الفَحلِ يَدخُلُ تَبَعًا، والأغلَبُ حُصولُه عُقَيْبَ نَزْوِه، فيَكونُ كالعِقدِ على الظِّئرِ لِيَحصُلَ اللَّبنُ في بَطنِ الصَّبيِّ، وكَما لَوِ استَأجَرَ أرضًا وفيها بِئرُ ماءٍ؛ فإنَّ الماءَ يَدخُلُ تَبَعًا، وقَد يُغتَفَرُ في الأتباعِ ما لا يُغتَفَرُ في المَتبوعاتِ.
والنُّهيُ الوارِدُ مَحمولٌ على التَّنزيهِ، والحَثِّ على مَكارِمِ الأخلاقِ. وليسَ مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ أنْ يُؤخَذَ على ذلك أجْرٌ، فإنْ فعلَ لَم تُفسَخِ الإجارةُ، وإنْ أخَذَها لَم تُرَدَّ مِنه (١).
وقالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: وأمَّا مالِكٌ فحُكيَ عنه جَوازُه، والذي ذكرَه أصحابُه التَّفصيلَ، فقالَ صاحِبُ الجَواهِرِ، في بابِ فَسادِ العَقدِ مِنْ جِهةِ نَهيِ الشَّارِعِ، ومِنها بَيعُ عُسْبِ الفَحلِ، ويُحمَلُ النَّهيُ فيه على استِئجارِ الفَحلِ على لَقاحِ الأُنثَى، وهو فاسِدٌ؛ لأنَّه غيرُ مَقدورٍ على تَسليمِه، فأمَّا أنْ يَستَأجِرَه على أنْ يَنزُوَ عليها دُفُعاتٍ مَعلومةً فذلك جائِزٌ؛ إذ هو أمَدٌ مَعلومٌ في نَفْسِه، ومَقدورٌ على تَسليمِه.
(١) «الذخيرة» (٥/ ٤١٣، ٤١٤)، و «التبصرة» (١٠/ ٤٩٧١)، و «عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة» (٢/ ٦٧٢)، و «شرح ابن بطال» (٦/ ٤١٢).