ثم اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ إجارةِ المَشاعِ لِغَيرِ الشَّريكِ، وصُورَتُهُ: أنْ يُؤجِّرَ نَصيبًا مِنْ دارِه أو نَصيبِه مِنْ دارٍ مُشترَكةٍ مِنْ غيرِ الشَّريكِ.
فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، الصَّاحِبانِ مِنْ الحَنفيَّةِ -أبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ- والمالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَصحُّ إجارةُ المَشاعِ، سَواءٌ كانَتْ مِنْ الشَّريكِ أو مِنْ غَيرِه؛ لأنَّ لِلمَشاعِ مَنفَعةً، ولِهَذا يَجِبُ أجْرُ المِثلِ، والتَّسليمُ مُمكِنٌ بالتَّخليةِ أو بالتَّهايُؤِ، فصارَ كَما إذا آجَرَ مِنْ شَريكِه أو مِنْ رَجُلَيْنِ، وصارَ كالبَيعِ، لأنَّه مَعلومٌ يَجوزُ بَيعُه، فجازَتْ إجارَتُه كالمَفروزِ، ولأنَّه عَقدٌ في مِلْكِه، يَجوزُ مع شَريكِه، فجازَ مع غَيرِه كالبَيعِ، ولأنَّه يَجوزُ إذا فعلَه الشَّريكانِ معًا، فجازَ لِأحَدِهِما فِعلُه في نَصيبِه مُفرَدًا كالبَيعِ.
وَكالشُّيوعِ الطَّارِئِ بأنْ ماتَ أحَدُ المُستَأجِرَيْنِ، وكالعاريةِ، وهي أقرَبُ إلَيها؛ لأنَّ العاريةَ لِلِانتِفاعِ بها، إلَّا أنَّها بلا عِوَضٍ، فلَو لَم يُمكِنْ الِانتِفاعُ به لَمَا جازَ عاريةً، فإذا جازَتْ إعارَتُه فأَوْلَى أنْ تَجوزَ إجارَتُه؛ لأنَّ تَأثيرَ الشَّائِعِ في مَنعِ التَّبرُّعِ أقوَى مِنْ تَأثيرِه في مَنعِ المُعاوَضةِ، ألَا تَرى أنَّ هِبةَ الشَّائِعِ لا تَجوزُ، وأنَّ بَيعَه يَجوزُ.
وَلأنَّ كلَّ مُعاوَضةٍ جازَ أنْ يُعاوِضَ عليها الشَّريكُ جازَ أنْ يُعاوِضَ عليها الأجنَبيُّ، أصْلُه البَيعُ، ولأنَّ كلَّ مَعنًى لا يَمنَعُ العَقدَ على المَنافِعِ مِنْ الشَّريكِ لَم يَمنَعِ العَقدَ عليها مِنْ غَيرِه، أصْلُه الغَلاءُ والرُّخصُ والشَّرِكةُ في شِقصٍ آخَرَ، ولأنَّه عَقدُ إجارةٍ على مِلْكٍ له مَعروفٍ يُمكِنُ تَسليمُه إلى المُستَأجِرِ، فجازَ ذلك، أصْلُه المَقسومُ، ولأنَّ كلَّ صِفةٍ لَم تَمنَعِ البَيعَ لَم تَمنَعِ الإجارةَ لكلِّ ما يَجوزُ بَيعُه، أصْلُه الحَيَوانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute