الإجارةَ وارِدةٌ على المَنفَعةِ، لا العَينِ المُستَأجَرةِ، سَواءٌ وَردَتْ على العَينِ أو على الذِّمةِ؛ إذ لَو كانَ مَورِدُها العَينَ لامتَنَعَ رَهنُ العَينِ المُستَأجَرةِ والمَرهونةِ، وهذه الطَّريقة هي المَرْضيَّةُ عندَ الفُقهاءِ، فإنَّ مَعقودَ كلِّ عَقدٍ هو المَقصودُ مِنه، والمَنافِعُ هي المَقصودةُ، والإجارةُ عَقدُ تَمليكٍ، والمَنافِعُ هي التي تُمَلَّكُ، وتُستحَقُّ فيها، دونَ العَينِ، والأُجرةُ في الإجارةِ تَتوزَّعُ على المَنافِعِ، إذا تَبَعَّضَتْ في مَنازِلِ الفَسخِ والِانفِساخِ، فهي المَقصودةُ المَعقودُ عليها، ولَكنَّ الشَّرعَ احتَمَلَ إيرادَ العَقدِ عليها، وهي تَثبُتُ شَيئًا فشَيئًا؛ لِمَسيسِ الحاجةِ.
وَلأنَّ المَنفَعةَ هي التي تُستَوفَى، ولأنَّ الأجْرَ في مُقابَلَتِها، ولِهَذا تُضمَنُ، دونَ العَينِ، وإنَّما أُضيفَ العَقدُ إلى العَينِ؛ لأنَّها مَحَلُّ المَنفَعةِ ومَنشَؤُها، كَما يُضافُ عَقدُ المُساقاةِ إلى البُستانِ، والمَعقودُ عليه الثَّمرةُ، والِانتِفاعُ تابِعٌ ضَرورةً، لأنَّ المَنفَعةَ لا تُوجَدُ إلَّا عَقِبَه.
وليسَتِ المَنافِعُ رَقَبةَ العَينِ المُستَأجَرةِ، ولا ما يُعقَلُ مِنْ صِفاتِها، كَتَركُّبِ الجُدرانِ، وتَنَضُّدِ السَّقفِ على الهَيْئاتِ المَطلوبةِ، وغَيرِهما مِنْ الصِّفاتِ.
فالمَنافِعُ إذَنْ نَعني بها تَهيُّؤَ العَينِ المُستَأجَرةِ لِانتِفاعِ المُستَأجِرِ بها في الوَجْهِ المَطلوبِ، ولا مَزيدَ في الأحكامِ الشَّرعيةِ على هذه المَواقِفِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٤، ١٧٥)، و «الهداية» (٣/ ٢٤٩)، و «الفتاوى الهندية» (٤/ ٤٥٣)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٣٣٤)، و «حاشية الصاوي مع الشرح الصغير» (٨/ ٤٦٨)، و «نهاية المطلب» (٨/ ٦٧، ٦٨)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥، ٦)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٨٠)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٣٠٠، ٣٠١)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣١٩، ٣٢٠)، و «حاشية البجيرمي» (٣/ ١٧١)، و «المغني» (٥/ ٢٥١)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٤٢)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٥٨٠).