للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العَينِ بعِوَضٍ عَقدًا، وهو البَيعُ، وشَرَعَ لِتَمليكِها بغَيرِ عِوَضٍ عَقدًا، وهو الهِبةُ وشَرَعَ لِتَمليكِ المَنفَعةِ بغَيرِ عِوَضٍ عَقدًا، وهو الإعارةُ، فلَو لَم يَشرَعِ الإجارةَ -مَعَ الحاجةِ الماسةِ إلَيها- لَم يَجِدِ العَبدُ لِدَفعِ هذه الحاجةِ سَبيلًا، وهذا خِلافُ مَوضوعِ الشَّرعِ (١).

وَلا يَخفَى ما بالنَّاسِ مِنْ الحاجةِ إلى ذلك؛ فإنَّه لَيسَ لكلِّ أحَدٍ دارٌ يَملِكُها، ولا يَقدِرُ كلُّ مُسافِرٍ على بَعيرٍ أو دابَّةٍ أنْ يَملِكَها، ولا يَلزَمُ أصحابَ الأملاكِ إسكانُها، وحَملُهم تَطوُّعًا، وكذلك أصحابُ الصَّنائِعِ يَعمَلونَ بأجْرٍ، ولا يُمكِنُ كلَّ أحَدٍ عَملُ ذلك، ولا يَجِدُ مُتطوِّعًا به؛ فلا بدَّ مِنْ الإجارةِ لِذلك، بَلْ ذلك ممَّا جعلَه اللَّهُ طَريقًا لِلرِّزقِ، حتى إنَّ أكثَرَ المَكاسِبِ بالصَّنائِعِ (٢).

وقالَ أبو المَعالي الجُوَينيُّ : ولَسْنا نُنكِرُ أنَّ الإجارةَ -مِنْ حَيثُ وَردَتْ على مَنافِعَ لَم تُخلَقْ بَعدُ- مائِلةٌ عن القِياسِ بَعضَ المَيْلِ، ولَكنَّها مُسوَّغةٌ؛ لِعُمومِ الحاجةِ. وقَد ذَكَرْنا في مَواضِعَ أنَّ الحاجةَ العامَّةَ تُنزَلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ الخاصَّةِ، ثم ما ثبَتَ أصلُه بالحاجةِ، لَم يَتوَقَّفْ إثباتُه وتَصحيحُه في حَقِّ الآحادِ على قِيامِ الحاجةِ، حتى يُقالُ: الإجارةُ تَنعقِدُ في حَقِّ مَنْ لا مَسكَنَ لَه، وهو مُحتاجٌ إلى المَسكَنِ، ولا تَنعقِدُ في حَقِّ مَنْ يَملِكُ المَساكِنَ، بَلْ يُعَممُ في حُكمِ التَّجويزِ الكافَّةُ (٣).


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٤).
(٢) «المغني» (٥/ ٢٥٠).
(٣) «نهاية المطلب» (٨/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>