وَكَذا لَو قالَ: على أنْ يَزرَعَ بَعضَها حِنطةً وبَعضَها شَعيرًا؛ لأنَّ التَّنصيصَ على التَّبعيضِ تَنصيصٌ على التَّجهيلِ.
وَلَو قالَ: على أنَّ ما زَرَعتَ فيها حِنطةٌ، فكَذا، وما زَرَعتَ فيها شَعيرًا، فكَذا، جازَ؛ لأنَّه جعلَ الأرضَ كلَّها ظَرفًا لِزَرعِ الحِنطةِ، أو لِزَرعِ الشَّعيرِ، فانعَدَمَ التَّجهيلُ.
وَلَو قالَ: على أنَّه إنْ زَرَعَ حِنطةً فكَذا، وإنْ زَرَعَ شَعيرًا فكَذا، وإنْ زَرَعَ سِمسِمًا فكَذا، ولَم يَذكُرْ مِنها، فهو جائِزٌ؛ لِانعِدامِ جَهالةِ المَزروعِ فيها، وجَهالةُ الزَّرعِ لِلحالِ لَيسَتْ بضائِرةٍ؛ لأنَّه فَوَّضَ الِاختيارَ إلَيه، فأيَّ ذلك اختارَه يَتعيَّنُ ذلك العَقدُ باختيارِه فِعلًا.
اشترَطَ الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ أنْ يَكونَ البَذْرُ مَعلومًا جِنسُه، ولو لم يُوكَلْ، وعَلِمَه برُؤيةٍ أو صِفةٍ لا يُختَلفُ معها، كشَجرٍ في مُساقاةٍ.
لأنَّ حالَ المَزروعِ تَختَلِفُ باختِلافِ الزَّرعِ بالزِّيادةِ والنُّقصانِ؛ فرُبَّ زَرعٍ يَزيدُ في الأرضِ، ورُبَّ زَرعٍ يَنقُصُها، وقد يَقِلُّ النُّقصانُ وقد يَكثُرُ، فلا بدَّ مِنْ البَيانِ؛ لِيَكونَ لُزومُ الضَّررِ مُضافًا إلى التِزامِه؛ إلَّا إذا قالَ له: ازرَعْ فيها ما شِئتَ؛ فيَجوزُ له أنْ يَزرَعَ فيها ما شاءَ؛ لأنَّه لَمَّا فَوَّضَ الأمْرَ إليه قد
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٧٨)، و «الهندية» (٥/ ٢٣٦).