للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في غَزوةِ ذاتِ السَّلاسِلِ فأشفَقتُ إنِ اغتَسَلت أنْ أهلِكَ فتَيمَّمت ثم صلَّيت بأَصحابي الصُّبحَ فذَكَروا ذلك للنَّبيِّ فقالَ يا عَمرُو: صَلَّيتَ بأَصحابِكَ وأنتَ جُنبٌ؟ فأخبَرتُه بالذي منَعَني من الاغتِسالِ وقُلتُ: إنِّي سمِعتُ اللهَ ﷿ يَقولُ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩)﴾ فضحِكَ رَسولُ اللهِ ولم يَقُلْ شَيئًا» (١)، وسُكوتُ النَّبيِّ يَدلُّ على الجَوازِ؛ لأنَّه لا يُقرُّ على خَطأٍ، ولأنَّه خائِفٌ على نَفسِه فأُبيحَ له التَّيممُ كالجَريحِ والمَريضِ.

وذهَبَ الحَنفيةُ في المَذهبِ إلى أنَّ جَوازَ التَّيممِ للبَردِ خاصٌّ بالجُنبِ؛ لأنَّ المُحدِثَ لا يَجوزُ له التَّيممُ للبَردِ إلا إذا تحقَّقَ الضَّررُ من الوُضوءِ فيَجوزُ التَّيممُ حينَئذٍ.

ثم إنَّ الفُقهاءَ اختَلَفوا فيما إذا تَيممَ وصلَّى هل يُعيدُ؟

فذهَبَ أبو حَنيفةَ ومالِكٌ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا يَلزمُه الإعادةُ لحَديثِ عَمرِو بنِ العاصِ المُتقدِّمِ؛ فإنَّ النَّبيَّ لم يأمُرْه بالإعادةِ ولو وجَبَت لأمَرَه بها، ولأنَّه خائِفٌ على نَفسِه أشبَهَ المَريضَ؛ لأنَّه أتى بما أمَرَ به فأشبَهَ سائِرَ من يُصلِّي بالتَّيممِ (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٣٤)، وأحمد (١٧٨٤٥)، والحاكم في «المستدرك» (٢٦٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٠١١).
(٢) «رد المحتار» (١/ ٣٩٨)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ٢١٦، ٢١٧)، والزرقاني (١/ ١١٥)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ١٤٩)، و «المغني» (١/ ٣٣٩)، و «الإفصاح» (١/ ٩٢، ٩٣)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ٢١٦، ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>