للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجلًا منَّا حَجرٌ فشَجَّه في رأسِه، ثم احتلَمَ، فسألَ أَصحابَه فقالَ: هل تَجدونَ لي رُخصةً في التَّيممِ؟ فقالوا: ما نَجدُ لك رُخصةً وأنتَ تَقدِرُ على الماءِ، فاغتسَلَ فماتَ، فلمَّا قدِمنا على النَّبيِّ أُخبِرَ بذلك، فقالَ: «قَتَلوه قتَلَهم اللهُ، ألَا سألوا إذْ لم يَعلَموا، فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ» (١).

وإذا خافَ من استِعمالِ الماءِ للوُضوءِ أو الغُسلِ على نَفسِه، أو خافَ زيادةَ مَرضِه، أو تأخَّر بُرؤُه أو خافَ شَيئًا فاحِشًا أو ألمًا غيرَ مُحتمَلٍ يَجوزُ له التَّيممُ عندَ الحَنفيةِ ومالِكٍ والشافِعيِّ في قَولٍ وهو ظاهِرُ المَذهبِ عندَ الحَنابِلةِ لعُمومِ قَولِه تَعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ولأنَّه يَجوزُ له التَّيممُ إذا خافَ ذَهابَ شَيءٍ من مالِه أو ضَررًا في نَفسِه من لِصٍّ أو سَبعٍ، أو لم يَجدِ الماءَ إلا بزِيادةٍ كَثيرةٍ على ثَمنِ مِثلِه، فلَأنْ يَجوزَ ههنا أَولى، ولأنَّ تَركَ القيامِ في الصَّلاةِ وتأخيرَ الصَّلاةِ لا يَنحصِرانِ في خَوفِ التَّلفِ، وكذلك تَركُ الاستِقبالِ، فكذا ههنا، ويُعرفُ ذلك بالعادةِ أو بإِخبارِ طَبيبٍ حاذِقٍ مُسلمٍ عَدلٍ واكتَفى بعضُ الحَنفيةِ بأنْ يَكونَ مَستورًا أي غيرَ ظاهِرِ الفِسقِ.

فأمَّا المَريضُ أو الجَريحُ الذي لا يَخافُ الضَّررَ باستِعمالِ الماءِ مِثلَ مَنْ به صُداعٌ وحُمَّى حارةٌ أو أمكَنَه استِعمالُ الماءِ الحارِّ أو يَكونُ به مَرضٌ لا يَخافُ مَحذورًا من استِعمالِ الماءِ معه في العاقِبةِ وإنْ تألَّمَ في الحالِ لجِراحةٍ أو بَردٍ أو حَرٍّ … فلا يَجوزُ التَّيممُ لشَيءٍ من هذا؛ لأنَّ إِباحةَ التَّيممِ لنَفيِ الضَّررِ ولا ضَررَ ههنا (٢).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٣٣٦، ٣٣٧)، وابن ماجه (٥٧٢).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (١/ ٣٩٧)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٦٢)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ٢١٦)، وحاشية الدسوقي على «الشرح الكبير» (١/ ١٤٩)، و «مغني المحتاج» (١/ ٩٢، ١٠٦)، و «الجمل» (١/ ٢٠٦، ٢٠٧)، و «كفاية الأخيار» ص (٩٥)، و «المغني» (١/ ٣٣٤)، و «كشاف القناع» (١/ ١٦٢، ١٦٥)، و «الإفصاح» (١/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>