للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا إذا عَمِلَ العامِلُ، فإنْ حَمَلَ النَّخلُ استَحقَّ العامِلُ ما شُرِطَ له مِنْ الثَّمرةِ، وإنْ لَم يَحمِلْ فلا أُجرةَ لَهُ؛ لأنَّ العَقدَ صَحيحٌ، فلا يَستَحقُّ غيرَ ما شُرِطَ لَه.

والآخَرُ: لا تَصحُّ المُساقاةُ؛ لأنَّ المُساقاةَ إنَّما تَصحُّ إلى مدَّةٍ تَحمِلُ فيها في الأغلَبِ، وهذه المدَّةُ لا تَحمِلُ فيها في الأغلَبِ.

فعلى هَذا: إذا عَمِلَ استَحقَّ أُجرةَ المِثلِ، وَجهًا واحِدًا؛ لأنَّه لَم يَرضَ أنْ يَعمَلَ إلَّا بعِوَضٍ.

وأمَّا مدَّةُ عَقدِ المُساقاةِ ففِيها ثَلاثةُ أقوالٍ:

أحَدُها: لا تَجوزُ أكثَرَ مِنْ سَنةٍ؛ لأنَّهما عَقدانِ على غَرَرٍ، فكانَ القياسُ يَقتَضي ألَّا تَصحَّ، وإنَّما حُكِمَ بصِحَّتِها لِلحاجةِ، والحاجةُ لا تَدعو إلى أكثَرَ مِنْ سَنةٍ؛ لأنَّ مَنافِعَ الأعيانِ تَتكامَلُ فيها.

والثَّاني: تَجوزُ ثَلاثينَ سَنةً، ولا يَجوزُ أكثَرُ مِنها؛ لأنَّها مدَّةٌ كَثيرةٌ، ولأنَّها نِصفُ العُمُرِ؛ لِقَولِه : «أعمارُ أُمَّتي ما بينَ السِّتِّينَ إلى السَّبعينَ»؛ فالأشياءُ لا تَبقَى على حالةٍ واحِدةٍ أكثَرَ مِنها.

والثَّالث: يَجوزُ العَقدُ على كلِّ عَينٍ ما بَقِيتْ، قالَ العِمرانيُّ: وبِه قالَ أكثَرُ أهلِ العِلمِ، وهو الصَّحيحُ.

وإنْ ساقاه على أُصولِ سَنتَيْنِ فهَلْ يَجِبُ ذِكرُ قِسطِ كلِّ سَنةٍ؟ مِنْ أصحابِنا مَنْ قالَ: فيه قولانِ، كالإجارةِ. ومِنهم مَنْ قالَ: يَجِبُ ذِكرُه، قَولًا واحِدًا؛ لأنَّ الثِّمارَ تَختَلِفُ باختِلافِ السِّنينِ.

وإنْ ساقاه عَشْرَ سِنينَ، فانقَضَتِ العَشرُ، ثم طَلَعتِ الثَّمرةُ فلا حَقَّ لِلعاملِ فيها؛ لأنَّها حادِثةٌ بعدَ انقِضاءِ المدَّةِ، وإنْ طَلَعتْ في آخِرِ العَشرِ ملكَ العامِلُ جُزءًا مِنها؛ لأنَّها حَدَثَتْ قبلَ انقِضاءِ المدَّةِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: لا يَفتقِرُ عَقدُ المُساقاةِ إلى ضَربِ مدَّةٍ، ولِذلك لَم


(١) «البيان في مذهب الإمام الشافعي» (٧/ ٢٥٤، ٢٥٨)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٧٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>