للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلأنَّها إذا جازَتْ في المَعدومِ مع كَثرةِ الغَرَرِ فيها، فمَعَ وُجودِها وقِلَّةِ الغَرَرِ فيها أوْلَى. ومَحَلُّها إذا بَقيَ مِنْ العَملِ ما تَزيدُ به الثَّمرةُ، كالتَّأبيرِ والسَّقْيِ والإصلاحِ، فإنْ بَقيَ ما لا تَزيدُ به كالجِدادِ، لَم يَجُزْ بغَيرِ خِلافٍ.

فَإنْ بَدا صَلاحُ الثَّمرِ المُساقَى عليه لَم يَصحَّ اتِّفاقًا، كَما تَقدَّمَ؛ إلَّا تَبَعًا، كَما يَقولُ المالِكيَّةُ؛ لأنَّ التَّابِعَ يَأخُذُ حُكمَ المَتبوعِ، فكَأنَّه هو.

وَذَهَبَ الشافِعيَّةُ في مُقابِلِ الأظهَرِ والحَنابِلةُ في الرِّوايةِ الثَّانيةِ إلى أنَّه لا تَصحُّ المُساقاةُ على ثَمرٍ مَوجودٍ؛ لأنَّه «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمرٍ أَوْ زَرْعٍ» (١)، وذلك مَفقودٌ هُنا، ولِفَواتِ بَعضِ الأعمالِ؛ ولأنَّ الثَّمرةَ إذا ظَهرَتْ، فقَد حَصَلَ المَقصودُ، وصارَ بمَنزِلةِ مُضارَبَتِه على المالِ بعدَ ظُهورِ الرِّبحِ، ولأنَّ المُساقاةَ عَقدٌ على غَرَرٍ؛ وإنَّما أُجيزَ على الثَّمرةِ المَعدومةِ لِلحاجةِ إلى استِخراجِها بالعَملِ، فإذا ظَهرَتِ الثَّمرةُ زالَتِ الحاجةُ؛ فلَم تَجُزْ.

وَلأنَّ هذا يُفضي إلى أنْ يَستَحقَّ بالعَقدِ عِوَضًا مَوجودًا يَنتقِلُ المِلْكُ فيه عن ربِّ المالِ إلى المُساقِي؛ فلَم يَصحَّ، كَما لَو بَدا صَلاحُ الثَّمرةِ، ولأنَّه عَقدٌ على العَملِ في المالِ ببَعضِ نَمائِه، لَم يَجُزْ بعدَ ظُهورِ النَّماءِ؛ كالمُضارَبةِ، ولأنَّ هذا يَجعَلُ إجارةً بمَعلومٍ ومَجهولٍ، فلَم يَصحَّ، كَما لَوِ استَأجَرَه على العَملِ بذلك، وقولُهم: أنَّهما أقَلُّ غَرَرًا، قُلنا: قِلَّةُ الغَرَرِ لَيسَتْ مِنْ المُقتَضي لِلجَوازِ، ولا كَثرَتُه المَوجودةُ في مَحَلِّ النَّصِّ مانِعةٌ مِنه؛ فلا تُؤثِّرُ قلَّتُه شَيئًا، والشَّرعُ وَردَ به على وَجْهٍ لا يَستَحقُّ العامِلُ فيه عِوَضًا


(١) رواه البخاري (٢٢٠٣)، ومسلم (١٥٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>