للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: تَصحُّ بلَفظِ المُساقاةِ؛ لأنَّه مَوضوعُها حَقيقةً، وبِلَفظِ المُعامَلةِ؛ لِقَولِه في الحَديثِ: «عامَلَ أهلَ خَيبَرَ على شَطرِ ما يَخرُجُ منها»، وتَصحُّ بكلِّ ما يُؤدِّي مَعناها مِنْ الألفاظِ، نَحوَ: «فالَحَتُكُ، واعمَلْ في بُستاني هذا حتى تَكمُلَ ثَمرَتُه، أو تَعهَّدْ نَخلي، أو أبِّرْه، أو اسقِهِ ولَكَ كَذا، أو أسلَمتُه إلَيكَ لِتَتعهَّدَه بكَذا مِنْ ثَمرِه» وما أشبَهَهُ؛ لأنَّ القَصدَ المَعنَى، فإذا أتَى بأيِّ لَفظٍ دَلَّ عليه صَحَّ، كالبَيعِ.

وَتَصحُّ المُساقاةُ وكَذا المُزارَعةُ بلَفظِ الإجارةِ في أحَدِ الوجهيْنِ، وهو المَذهَبُ؛ لأنَّه مُؤَدٍّ لِلمَعنَى؛ فصَحَّ به العَقدُ، كَسائِرِ الألفاظِ المُتفَقِ عليها.

والثَّاني: لا تَصحُّ، وهو اختِيارُ أبي الخطَّابِ؛ لأنَّ الإجارةَ يُشترَطُ لَها كَونُ العِوَضِ مَعلومًا، وتَكونُ لَازِمةً، والمُساقاةُ بخِلافِه، والأولُ أقيَسُ؛ لِما ذَكَرْنا.

وقد نَصَّ أحمَدُ في رِوايةِ جَماعةٍ فيمَن قالَ: «أجَّرتُكَ هذه الأرضَ بثُلُثِ ما يَخرُجُ مِنها» أنَّه يَصحُّ، وهذه مُزارَعةٌ بلَفظِ الإجارةِ، ذكرَه أبو الخطَّابِ، فمَعنَى قَولِه: «أجَّرتُكَ هذه الأرضَ بثُلُثٍ، أي: زارَعتُكَ عليها بثُلُثٍ»، عَبَّرَ عن المُزارَعةِ بالإجارةِ على سَبيلِ المَجازِ، كَما يُعَبَّرُ عن الشُّجاعِ بالأسَدِ، فعلى هذا يَكونُ نَهْيُه عَنها بثُلُثٍ أو رُبُعٍ إنَّما يَنصَرِفُ إلى الإجارةِ الحَقيقيَّةِ، أمَّا إذا أُريدَ بالإجارةِ المُزارَعةُ، فلا يُشترَطُ لَها غيرُ شَرطِ المُزارَعةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>