وَمِنْ طَريقِ القياسِ والنَّظَرِ أنَّ الأُصولَ مالٌ لا يَنمو بنَفْسِه، ولا تَجوزُ إجارَتُه، وإنَّما يُنَمَّى بالعَملِ عليه، فجازَ العَملُ عليه ببَعضِ ما يَخرُجُ مِنه، كالقِراضِ، بَلِ المُساقاةُ أوْلَى بالجَوازِ مِنْ القِراضِ، لأنَّ الغَرَرَ والخِطارَ في القِراضِ أكثَرُ، لأنَّه قد يَكونُ في المالِ رِبْحٌ، وقَد لا يَكونُ فيه رِبحٌ، وجَوازُ أحَدِ الأمرَيْنِ كَجَوازِ الآخَرِ، لَيسَ أحَدُهما أغلَب مِنْ صاحِبِه، والنَّخلُ قد أجرَى اللَّهُ تَعالى العادةَ بأنْ تَحمِلَ كلَّ سَنةٍ، فلا بدَّ أنْ يكونَ لِلنَّخلِ ثَمرةٌ في الأغلَبِ مِنْ الأحوالِ.
وأمَّا الضَّرورةُ والحاجةُ: فلأنَّ الحاجةَ ماسَّةٌ وداعيةٌ إليها؛ لأنَّ صاحِبَ الشَّجرِ قد لا يَقدِرُ على العَملِ بنَفْسِه، ولا يُحسِنُ تَعَهُّدَه، أو لا يَتفرَّغُ لَه، والقادِرُ على العَملِ والمُتفرِّغُ له لا يَجِدُ أرضًا ولا شَجرًا، فيَحتاجُ ذلك إلى الِاستِعمالِ، وهذا إلى العَملِ، ولَوِ استَأجَرَ المالِكُ مَنْ يَقُومُ بهذا لَزِمتْه الأُجرةُ في الحالِ، وقَد لا يَجِدُ ما يَستَأجِرُ به، وقَد لا يَحصُلُ له مِنْ الثِّمارِ شَيءٌ، ويَتَهاوَنُ العامِلُ، فدَعَتِ الحاجةُ إلى تَجويزِها؛