وقال الحَنفيَّةُ: ولو دفَع إليه ألفَ دِرهمٍ مُضارَبةً وأمَرَ المُضارِبَ أنْ يَعملَ في ذلك برأيِه أو لَم يأمُرْه فاستأجَر المُضارِبُ ببَعضِه أرضًا بَيضاءَ واشتَرى ببَعضِه طَعامًا فزَرَعه في الأرضِ فهو جائِزٌ على المُضاربةِ بمَنزِلةِ التِّجارةِ؛ لأنَّ عمَل الزِّراعةِ مِنْ صُنعِ التُّجارِ يَقصِدون به تَحصيلَ النَّماءِ، وما كان مِنْ عَملِ التُّجارِ يَملِكُه المُضارِبُ بمُطلَقِ العَقدِ.
ولو استأجَرَ أرضًا بَيضاءَ على أنْ يَغرِسَ فيها شَجَرًا أو أرطابًا، فقال: ذلك مِنَ المُضاربةِ، فهو جائِزٌ، والوَضيعةُ على رَبِّ المالِ والرِّبحُ على ما اشتَرطا؛ لأنَّه مِنْ صَنيعِ التُّجارِ يَقصِدون به استِنماءَ المالِ، ولو كان دفَع إليه مُضاربةً بالنِّصفِ، وقال له:«اعمَلْ فيه برأيِك»، فأخَذ المُضارِبُ نَخلًا وشَجرًا وأرطابًا مُعامَلةً على أنَّ ما أخرَجَ اللهُ ﷾ بَعدُ مِنْ ذلك فنِصفُه لِصاحِبِ النَّخلِ ونِصفُ المُضارِبِ على المُضارِبِ، فعَمِل وأنفَق مالَ المُضاربةِ عليه؛ فإنَّ ما خرَج مِنْ ذلك بينَ صاحِبِ النَّخلِ والمُضارِبِ نِصفانِ، ولا يَكونُ لِرَبِّ المالِ شَيءٌ مِنْ ذلك؛ لأنَّه إنَّما استحَقَّ النِّصفَ بعَقدِ المُعامَلةِ، وفي عَقدِ المُعامَلةِ العامِلُ يُؤاجِرُ نَفْسَه وصاحِبُ المالِ إنَّما فَوَّض الأمرَ إلى رأيِه في المُضاربةِ؛ لأنَّ مَنافِعَ يَدِه فيما يَستوجِبُ بإقامَتِه العَملَ بمَنافِعِه تَكونُ له خاصَّةً، والنَّفقةَ التي أنفَقَها مِنْ مالِه خاصَّةً وهو ضامِنٌ لِما أنفَق مِنْ ذلك مِنْ مالِ المُضاربةِ؛ لأنَّه صَرَف إلى حاجةِ نَفْسِه على وَجهٍ لَم يأذَنْ له رَبُّ المالِ فيه، ولو كان المُضارِبُ أخَذَ مِنْ رَجلٍ أرضًا بَيضاءَ على أنْ يَزرعَها طَعامًا فما خرَج منها فنِصفُه لِصاحِبِ الأرضِ ونِصفُه على المُضاربةِ، فاشتَرى طَعامًا ببَعضِ المالِ فزَرعَه في الأرضِ ثم