للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافِعيَّةُ: لا يَجوزُ لِلمُضارِبِ أنْ يَبيعَ أو يَشتريَ بغَبنٍ فاحِشٍ لا يُحتمَلُ، كالوَكيلِ بلا إذنٍ مِنْ رَبِّ المالِ؛ لأنَّه يَضُرُّ بالمالِكِ؛ فإنْ أذِنَ جازَ؛ لأنَّ المَنعَ لِحَقِّه، وقد زال بإذنِه، ومع جَوازِه يَنبَغي ألَّا يُبالِغَ في الغَبنِ لِيَبيعَ ما يُساوي مِئةً بعَشَرةٍ، بل يَبيعُ بما تَدلُّ القَرينةُ على ارتِكابِه عادةً في مِثلِ ذلك؛ فإنْ بالَغَ في الغَبنِ لَم يَصحَّ تَصرُّفُه (١).

وقال الحَنابِلةُ: حُكمُ المُضارِبِ حُكمُ الوَكيلِ، في أنَّه ليس له أنْ يَبيعَ بأقَلَّ مِنْ ثَمَنِ المِثلِ، وألَّا يَشتريَ بأكثَرَ منه مما لا يَتغابَنُ الناسُ بمِثلِه؛ فإنْ فعَل فقد رُوِي عن أحمدَ أنَّ البَيعَ يَصحُّ، ويَضمَنُ النَّقصَ؛ لأنَّ الضَّررَ يَنجَبِرُ بضَمانِ النَّقصِ.

قال ابنُ قُدامةَ : والقياسُ أنَّ البَيعَ باطِلٌ، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ؛ لأنَّه بَيعٌ لَم يُؤذَنْ له فيه، فأشبَهَ بَيعَ الأجنَبيِّ، فعَلى هذا، إنْ تَعذَّرَ رَدُّ المَبيعِ، ضَمِن النَّقصَ أيضًا، وإنْ أمكَنَ رَدُّه، وَجَب رَدُّه إنْ كان باقِيًا، أو قيمَتِه إنْ كان تالِفًا، ولِرَبِّ المالِ مُطالَبةُ مَنْ شاءَ مِنَ العامِلِ أو المُشتَري؛ فإنْ أخَذَ مِنَ المُشتَري قيمَتَه رجَع المُشتَري على العامِلِ بالثَّمنِ، وإنْ رجَع على العامِلِ بقيمَتِه رجَع العامِلُ على المُشتَري بها ورَدَّ عليه الثَّمنَ؛ لأنَّ التَّلفَ حَصَل في يَدِه.


(١) «روضة الطالبين» (٣/ ٧٤٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٥٠)، و «نهاية المحتاج مع حاشية الشبرملسي» (٥/ ٢٦٤)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٧٤)، و «الديباج» (٢/ ٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>