للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّفرُ باتِّفاقِ الفُقهاءِ؛ فإنْ سافَرَ ضمِن، وإنْ أُذِن له في السَّفرِ جازَ بحَسَبِ الإذنِ بلا خِلافٍ؛ لأنَّ المَنعَ منه لِحَقِّه، وقد رَضيَ به؛ فإنْ تَلِف المالُ بلا تَعَدٍّ ولا تَفريطٍ فلا ضَمانَ عليه (١).

واتَّفَقوا أيضًا على أنَّه لا يَجوزُ له أنْ يُسافِرَ في مَوضِعٍ مَخوفٍ أو إلى بَلدٍ مَخوفٍ إنْ أذِنَ له رَبُّ المالِ في مُطلَقِ السَّفرِ؛ فإنْ فعَل فهو ضامِنٌ لِمَا يَتلَفُ؛ لأنَّه مُتعَدٍّ بفِعلِ ما ليس له فِعلُه، وإنْ سافَرَ في طَريقِ أمنٍ جازَ.

ثم اختلَفوا فيما إذا لَم يأذَنْ له أو يَنهَه رَبُّ المالِ هل له السَّفرُ بمالِ المُضاربةِ دونَ إذنٍ مِنْ رَبِّ المالِ أو لا، إذا كان البَلدُ أو الطَّريقُ آمِنًا؟

فذهَب الشافِعيَّةُ في المَذهبِ وأبو حَنيفةَ وأبو يُوسُفَ في رِوايةٍ عنهما وابنُ حَبيبٍ وسَحنونٌ مِنَ المالِكيَّةِ والحَنابِلةُ في وَجهٍ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلمُضارِبِ أنْ يُسافِرَ بمالِ مُضاربةً، ولو كان السَّفرُ قَريبًا والطَّريقُ آمِنًا، ولا مُؤنةَ في السَّفرِ إلا بإذنِ رَبِّ المالِ؛ لأنَّ السَّفرَ مَظِنَّةُ الخَطرِ، وفيه تَغريرٌ بالمالِ؛ لأنَّه يَعرِضُ فيه الخَوفُ والفَسادُ، فلَم يَملِكْه المُضارِبُ مِنْ غَيرِ إذنِ رَبِّ المالِ.

فإنْ سافَرَ بغَيرِ إذنِه أو خالَف فيما أذِن له ضَمِن ولو عاد مِنَ السَّفرِ.

قال الشافِعيَّة: ومَحلُّ امتِناعِ السَّفرِ إلى ما يَقرُبُ مِنْ بَلدِ المُضاربةِ إذا لَم يَعتَدْ أهلُ بَلدِ المُضاربةِ الذَّهابَ إليه لِيَبيعَ ويَعلَمَ المالِكُ بذلك، وإلا جازَ؛ لأنَّ هذا حَسَب عُرفِهم يُعَدُّ مِنْ أسواقِ البَلدِ.


(١) «الإقناع في مسائل الإجماع» (١٦٧٩، ١٦٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>