وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ ﵀: قَولُه: «وإنَّما لكلِّ امرِئٍ ما نَوى» قالَ ابنُ دَقيقِ العِيدِ: الجُملةُ الثانيةُ تَقتَضي أنَّ مَنْ نَوى شَيئًا يَحصلُ له -يَعني إذا عمِلَه بشَرائِطِه- أو حالَ دونَ عَملِه له ما يُعذَرُ شَرعًا بعَدمِ عَملِه، وكلُّ ما لم يَنوِه لم يَحصُلْ له، ومُرادُه بقَولِه: ما لم يَنوِه، أي: لا خُصوصًا ولا عُمومًا، أمَّا إذا لم يَنوِ شَيئًا مَخصوصًا لكنْ كانَت هناك نِيَّةٌ عامَّةٌ تَشملُه فهذا ممَّا اختَلفَت فيه أنظارُ العُلماءِ، ويَتخرَّجُ عليه من المَسائلِ ما لا يُحصَى.
وقد يَحصلُ غيرُ المَنويِّ لمُدرَكٍ آخَرَ كمَن دخَلَ المَسجدَ فصَلَّى الفَرضَ أو الراتِبةَ قبلَ أنْ يَقعدَ؛ فإنَّه يَحصلُ له تَحيةُ المَسجدِ نَواها أو لم يَنوِها؛ لأنَّ القَصدَ بالتَّحيةِ شَغلُ البُقعةِ وقد حصَلَ.
وهذا بخِلافِ مَنْ اغتسَلَ يَومَ الجُمُعةِ عن الجَنابةِ؛ فإنَّه لا يَحصلُ له غُسلُ الجُمعةِ على الراجِحِ؛ لأنَّ غُسلَ الجُمعةِ يُنظرُ فيه إلى التَّعبدِ لا إلى مَحضِ التَّنظيفِ فلا بدَّ فيه من القَصدِ إليه بخِلافِ تَحيةِ المَسجدِ، واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).