وذهَب الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يُشترطُ خَلطُ المالَيْن فتَصحُّ الشَّركةُ، وإنْ كان مالُ كلِّ واحِدٍ منهما في يَدِه إذا عَيَّنا المالَ وأحضَراه؛ لأنَّه عَقدٌ يُقصدُ به الرِّبحُ فلَم يُشترطْ فيه خَلطُ المالِ، كالمُضاربةِ، ولأنَّه عَقدٌ على التَّصرُّفِ فلَم يَكُنْ مِنْ شَرطِه أنْ تَكونَ أيديهما عليه كالوَكالةِ.
لأنَّ الشَّركةَ تَشتمِلُ على الوَكالةِ فما جازَ التَّوكيلُ به جازَتِ الشَّركةُ فيه، والتَّوكيلُ جائِزٌ في المالَيْن قبلَ الخَلطِ، كذا الشَّركةُ.
ولأنَّ الشَّركةَ في الرِّبحِ مُستندةٌ إلى العَقدِ دونَ المالِ، لأنَّ العَقدَ يُسمَّى شَركةً، ولا بُدَّ مِنْ تَحقيقِ مَعنى هذا الاسمِ فيه فلَم يَكُنِ الخَلطُ شَرطًا، ولأنَّ الدَّراهمَ، والدَّنانيرَ لا يَتعيَّنانِ فلا يُستفادُ الرِّبحُ برأسِ المالِ؛ وإنَّما يُستفادُ بالتَّصرُّفِ؛ لأنَّها في النِّصفِ أصيلٌ، وفي النِّصفِ وَكيلٌ، وإذا تَحقَّقتِ الشَّركةُ في التَّصرُّفِ بدونِ الخَلطِ تَحقَّقتْ في المُستفادِ به، وهو الرِّبحُ بدونِه، وصارتْ كالمُضاربةِ (١).
ثم اختلَف الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ فيما إذا تَلِف المالُ قبلَ الخَلطِ.
فقال الحَنفيَّةُ: إذا هلَك مالُ الشَّركةِ كلُّه بَطلتِ الشَّركةُ، وكذا لو هلَك أحَدُ المالَيْن قبلَ الخَلطِ، وقبلَ الشِّراءِ يَهلِكُ من مالِ صاحبِه وَحدَه سَواءٌ هلَك في يَدِ مالِكِه أو يَدِ شَريكِه؛ لأنَّه أمانةٌ في يَدِه، بخِلافِ ما بعدَ الخَلطِ،
(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٦٠)، و «المبسوط» (١١/ ١٥٢)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٨٩)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٣٢)، و «اللباب» (١/ ٥٣١)، و «المغني» (٥/ ١٢)، و «الكافي» (٢/ ٢٥٨).