للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قيلَ: ما الحِكمةُ في حَبسِ رُوحِه، إذْ لَم يُخلِّفْ وَفاءً مع أنَّه في حُكمِ المُعسِرِ، والمُعسِرُ لا يُحبَسُ في الدُّنيا، ولا يُلازَمُ؛ لِأنَّا نَقولُ: أمرُ الآخِرةِ يُغايِرُ أمرَ الدُّنيا؛ فإنَّ حَبْسَ المُعسِرِ في الدُّنيا لا فائِدةَ فيه؛ لأنَّه لا يُتوقَّعُ منه وَفاءٌ مادامَ مَحبوسًا، ويُظنُّ منه الوَفاءُ إذا لَم يُحبسْ؛ لأنَّه قد يَكتسِبُ ما يَستعينُ به على وَفاءِ الدَّينِ، وأمَّا الآخِرةُ فالحَبسُ فيها مُجازاةٌ له على بَقاءِ الحَقِّ في ذِمَّتِه حِفظًا لِحَقِّ صاحِبِ الدَّينِ، ويُستوفى منه بأخْذِ الحَسناتِ ورَدِّ السَّيئاتِ، فأشبَهَ مَنْ له مالٌ في الدُّنيا فيُنتظَرُ بحَبسِه حُضورُ مالِه، وعليه فهو مَعقولُ المَعنى (١).

وقيلَ: إنَّما يُحبَسُ المِديانُ عن الجَنةِ بعَدمِ الوَفاءِ إذا مات قادِرًا على وَفائِه، وأمَّا لو مات عاجِزًا عن وَفائِه؛ فإنْ تَدايَن لِسَرفٍ أو غَيرِه مما لا يَجوزُ فإنَّه يُحبسُ عن الجَنةِ لِعَدمِ وُجوبِ قَضائِه على السُّلطانِ (٢).

القَولُ الآخَرُ: أنَّه يَنتقِلُ الحَقُّ عنه بمُجرَّدِ الضَّمانِ، وهو القَولُ الآخَرُ لِلإمامِ أحمدَ (٣)؛ لِحَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ قال: كُنا مع النَّبيِّ في جَنازةٍ، فلَمَّا وُضِعت قال: «هل على صاحِبِكم مِنْ دَينٍ؟»، قالوا: نَعَمْ، دِرهمانِ، فقال: «صَلُّوا على صاحِبِكم»، فقال علِيٌّ: هُما علَيَّ يا رَسولَ اللهِ، وأنا لَهما ضامِنٌ، فقامَ رَسولُ اللهِ فصلَّى عليه، ثم


(١) «نهاية المحتاج» (١٥/ ٩٦).
(٢) «الفواكه الدواني على رسالة بن أبي زيد القيرواني» (٢/ ٢٤٢).
(٣) «الإفصاح» (٢/ ٢٠٤)، و «المغني» (٦/ ٣٢٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٢/ ٢٤٨)، و «أسنى المطالب» (١٠/ ١١٥)، و «المحلى» (٨/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>