يُشبِهُ آجالَ الناسِ، كالحَصادِ والدِّياسِ والنَّيروزِ ونَحوِها، فكفَل إلى هذه الأوقاتِ جازَ عندَ أصحابِنا، وعندَ الشافِعيِّ ﵀ لا يَجوزُ، ووَجهُ قَولِه أنَّ هذا عَقدٌ إلى أجَلٍ مَجهولٍ، فلا يَصحُّ، كالبَيعِ.
ثم عَقَّب على هذا الكَلامِ بقَولِه ﵀: ولَنا أنَّ هذا ليس بجَهالةٍ فاحِشةٍ فتَحمِلُها الكَفالةُ، وهذا لأنَّ الجَهالةَ لا تَمنعُ مِنْ جَوازِ العَقدِ بعَينِها، بل لِإفضائِها إلى المُنازَعةِ بالتَّقديمِ والتأخيرِ، وجَهالةُ التَّقديمِ والتأخيرِ لا تُفضي إلى المُنازَعةِ في بابِ الكَفالةِ؛ لأنَّه يُسامَحُ في أخْذِ الحَقِّ مِنْ جِهةِ الأصيلِ، بخِلافِ البَيعِ، ولأنَّ الكَفالةَ جَوازُها بالعُرفِ، والكَفالةَ إلى هذه الآجالِ مُتعارَفةٌ.
وإنْ كانت هذه الكَفالةُ حالَّةً فأخَّرَ إلى هذه الأوقاتِ جازَ أيضًا؛ لِما ذَكَرنا.
وإنْ كان لا يُشبهُ آجالَ الناسِ، كمَجيءِ المَطرِ وهُبوبِ الرِّيحِ، فالأجَلُ باطِلٌ، والكَفالةُ صَحيحةٌ؛ لأنَّ هذه جَهالةٌ فاحِشةٌ، فلا تَتحمَّلُها الكَفالةُ، فلَم يَصحَّ التأجيلُ، فبطَل، وبقيَتِ الكَفالةُ صَحيحةً (١).
أمَّا الحَنابِلةُ فقد قال ابنُ قُدامةَ ﵀: وإنْ كفَل إلى أجَلٍ مَجهولٍ لَم تَصحَّ الكَفالةُ، وبهذا قال الشافِعيُّ؛ لأنَّه ليس له وَقتٌ يُستحَقُّ مُطالَبتُه فيه، وهكذا الضَّمانُ، وإنْ جعَله إلى الحَصادِ والجِذاذِ والعَطاءِ، خرَج على
(١) «بدائع الصانع» (٧/ ٣٥٨)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ١٥٤)، و «مجمع الضمانات» (٥٩٥)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٢٧٨).