والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّه لو شرَط الرُّجوعَ في شَيءٍ مِنْ ذلك بَطَلتِ الحَوالةُ (١).
وقال الحَنابِلةُ: إذا تَمَّتِ الحَوالةُ أُبرِئتْ ذِمَّةُ المُحيلِ بمُجرَّدِها، سَواءٌ أمكَنَ استِيفاءُ الحَقِّ أو تَعذَّرَ؛ لِمَطلٍ أو فَلَسٍ أو مَوتٍ أو غيرِ ذلك؛ لِأنَّ حَزْنًا جَدَّ سَعيدِ بنِ المُسيِّبِ كان له على علِيٍّ ﵁ دَينٌ فأحالَه به، فماتَ المُحالُ عليه، فأخبَرَه، فقال:«اختَرتَ علينا أبعَدَكَ اللهُ»، فأبعَدَه بمُجرَّدِ احتيالِه، ولَم يُخبِرْه أنَّ له الرُّجوعَ، ولأنَّها بَراءةٌ مِنْ دَينٍ ليس فيها قَبضٌ ممَّن عليه، ولا مَنْ يَدفَعُ عنه؛ فلَم يَكُنْ فيها رُجوعٌ، كما لو أبرأه مِنَ الدَّينِ.
وأمَّا إذا ظَنَّ المُحتالُ الدَّينَ على المُحيلِ عليه فجحَد المُحالُ عليه الدَّينَ ولَم يُمكِنْ إثباتُه فلِلمُحتالِ الرُّجوعُ على المُحيلِ؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءَ دَينِه عليه، ولَم تَتحقَّقْ بَراءَتُه منه.
وعن الإمامِ أحمدَ ما يَدلُّ على أنَّه إذا كان المُحالُ عليه مُفلِسًا ولَم يَعلَمِ المُحتالُ بذلك فله الرُّجوعُ، إلا أنْ يَرضى بعدَ العِلمِ؛ لأنَّ الفَلَسَ عَيبٌ في المُحالِ عليه، فكان له الرُّجوعُ، كما لو اشتَرى سِلعةً فوَجَدَها مَعيبةً، ولأنَّ المُحيلَ غَرَّه فكان له الرُّجوعُ، كما لو دَلَّسَ المَبيعَ.
وإنْ شَرَط المُحالُ مَلاءةَ المُحالِ عليه فبانَ مُعسِرًا رَجَع على المُحيلِ؛ لقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«المُسلِمونَ على شُروطِهم»؛ ولأنَّه شرَط ما فيه مَصلَحةُ العَقدِ في عَقدِ مُعاوَضةٍ، فيَثبُتُ الفَسخُ بفَواتِه، كما لو اشتَرَط صِفةً في
(١) «روضة الطالبين» (٣/ ٤٣٤)، و «الأوسط» (٥/ ٧٢٩)، و «البيان» (٦/ ٢٨٨، ٢٨٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٥٧)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ٤٩٠)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٤٥٧)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٨٠٤، ٨٠٥)، و «الديباج» (٢/ ٢٧٤، ٢٧٥).