عليه برِضاه، وكان المُحالُ عليه مَليئًا وقادِرًا على سَدادِ الدَّينِ فإنَّ المُحيلَ يُبرَأُ مِنَ الدَّينِ الذي عليه ويَنتقِلُ الدَّينُ الذي على المُحيلِ إلى المُحالِ عليه بمُجرَّدِ عَقدِه الحَوالةَ، ولا رُجوعَ له على المُحيلِ.
وحُجَّةُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ أنَّ الحَوالةَ مُشتقَّةٌ مِنَ التَّحويلِ، وهو النَّقلُ، فكان مَعنى الانتِقالِ لَازِمًا فيها، والشَّيءُ إذا انتَقَل إلى مَوضِعٍ لا يَبقَى في المَحَلِّ الأوَّلِ ضَرورةً، ومَعنى الوَثيقةِ يَحصُلُ بسُهولةِ الوُصولِ مِنْ حيثُ الإنصافُ والمَلاءةُ، أمَّا الضَّمانُ فمُشتَقٌّ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ، فعُلِّقَ على كلِّ واحِدٍ مُقتَضاه، فيَجِبُ أنْ يُعطَى كلُّ لَفظٍ ما يَقتَضيه وما دَلَّ عليه لَفظُه؛ لأنَّ الأحكامَ الشَّرعيةَ تَثبُتُ على وَفقِ المَعاني اللُّغويةِ، ومَعنى الحَوالةِ في اللُّغةِ النَّقلُ، وهو يَستَدعي زَوالَ المَنقولِ عن المَحَلِّ المَنقولِ منه، فيَكونُ مَعناها الشَّرعيُّ زَوالَ الدَّينِ عن ذِمَّةِ المُحيلِ.
وفي قَولِ النَّبيِّ ﷺ:«وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، دَليلٌ على تَحويلِ المالِ عن المُحيلِ إلى المُحالِ عليه، ولو لَم يَكُنْ كذلك ما ضَرَّه لو أُحيلَ على مُعدِمٍ؛ لأنَّ أصلَ المالِ على المُحيلِ، فلَمَّا أوجَبَ النَّبيُّ ﷺ أنْ يَتبَعَ المَليءَ دَلَّ على أنَّ المالَ تَحوَّلَ عن المُحيلِ إلى المُحالِ عليه.
قال ابنُ المُنذرِ ﵀: ومِنَ الحُجَّةِ على ما ذَكَرنا إجماعُهم -إلا قَولًا شاذًّا شَذَّ عنهم- على أنَّ المالَ تَحوَّلَ عن المُحيلِ إلى المُحالِ عليه قبلَ إفلاسِه أو مَوتِه (١).