للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدَّرَه المالِكيةُ بمِقدارِ ثُلثِ القَدمِ؛ فإنَّ هذا القَدرَ مَعفوٌّ عنه (١).

قالَ شَيخُ الإِسلامِ : وهذا القَولُ هو الراجِحُ؛ فإنَّ الرُّخصةَ عامَّةٌ، ولَفظُ الخُفِّ يَتناولُ ما فيه الخَرقُ، وما لا خَرقَ فيه، لا سيَّما أنَّ الصَّحابةَ كانَ فيهم فُقراءُ كَثيرون، وكانوا يُسافِرون، وإذا كانَ كذلك فلا بدَّ أنْ يَكونَ في بعضِ خِفافِهم خُروقٌ، والمُسافِرون قد يَتخرَّقُ خُفُّ أحَدِهم ولا يُمكنُه إصلاحُه في السَّفرِ؛ فإنْ لم يَجزِ المَسحُ عليه لم يَحصُلْ مَقصودُ الرُّخصةِ.

وأيضًا فإنَّ جُمهورَ العُلماءِ يَعفون عن ظُهورِ يَسيرِ العَورةِ، وعن يَسيرِ النَّجاسةِ التي يَشقُّ الاحتِرازُ عنها: فالخَرقُ اليَسيرُ في الخُفِّ كذلك.

وقَولُ القائِلِ: إنَّ ما ظهَرَ فَرضُه الغَسلُ مَمنوعٌ؛ فإنَّ الماسِحَ على الخُفِّ لا يَستوعِبُه بالمَسحِ كالماسِحِ على الجَبيرةِ، بل يَمسحُ أعلاه دونَ أسفَلِه وعَقبِه، وذلك يَقومُ مَقامَ غَسلِ الرِّجلِ، فمَسحُ بعضِ الخُفِّ كافٍ عما يُحاذي المَمسوحَ وما لا يُحاذيه؛ فإنْ كانَ الخَرقُ في العَقبِ لم يَجبْ غَسلُ ذلك المَوضعِ ولا مَسحُه، ولو كانَ على ظَهرِ القَدمِ لا يَجبُ مَسحُ كلِّ جُزءٍ من ظَهرِ القَدمِ، وبابُ المَسحِ على الخُفَّينِ مما جاءَت السُّنةُ فيه بالرُّخصةِ حتى جاءَت بالمَسحِ على الجَواربِ والعَمائمِ وغيرِ ذلك، فلا يَجوزُ أنْ يَتناقَضَ مَقصودُ الشارِعِ من التَّوسِعةِ بالحَرجِ والتَّضييقِ (٢).

قالَ ابنُ رُشدٍ : وسَببُ اختِلافِهم في ذلك: اختِلافُهم في انتِقالَ الفَرضِ من الغَسلِ إلى المَسحِ هل هو لمَوضعِ السَّترِ -أعني سَتْرَ خُفِّ


(١) «الاستذكار» (١/ ٢٢٢)، و «الشرح الصغير» (١/ ١٠٨).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٢١٢، ٢١٣)، و «الاختيارات الفقهية» ص (٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>