وبَيانُ ذلك أنَّ المُحدِثَ إذا غسَلَ رِجلَيه أولًا، ولبِسَ خُفَّيه ثم أتَمَّ الوُضوءَ قبلَ أنْ يُحدثَ ثم أحدَثَ جازَ له أنْ يَمسحَ على الخُفَّينِ لوُجودِ الشَّرطِ، وهو لُبسُ الخُفَّينِ على طَهارةٍ كامِلةٍ وَقتَ الحَدثِ بعدَ اللُّبسِ، وذلك لأنَّ تَرتيبَ أفعالِ الوُضوءِ على نَسقِ الآيةِ ليسَ بواجِبٍ؛ فلو قدَّمَ رَجلٌ غَسلَ رِجلَيه على بَقيةِ الأَعضاءِ بأنْ مسَحَ رأسَه ثم غسَلَ يَدَيه ثم وَجهَه صَحَّ وُضوؤُه (١).
قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: واختَلفَ الفُقهاءُ من هذا البابِ فيمَن غسَلَ رِجلَيه ولبِسَ خُفَّيه ثم أتَمَّ وُضوءَه هل يَمسحُ عليهما؟
فمَن لم يَرَ أنَّ التَّرتيبَ واجِبٌ ورَأى أنَّ الطَّهارةَ تَصحُّ لكلِّ عُضوٍ قبلَ تَكملةِ الطَّهارةِ لجَميعِ الأَعضاءِ قالَ بجَوازِ ذلك، ومَن رَأى أنَّ التَّرتيبَ واجِبٌ وأنَّه لا تَصحُّ طَهارةُ العُضوِ إلا بعدَ طَهارةِ جَميعِ أَعضاءِ الطَّهارةِ لم يُجِزْ ذلك.
وبالقَولِ الأولِ قالَ أبو حَنيفةَ، وبالقَولِ الثاني قالَ الشافِعيُّ ومالِكٌ، إلا أنَّ مالِكًا لم يَمنعْ ذلك من جِهةِ التَّرتيبِ، وإنَّما منَعَه من جِهةِ أنَّه يَرى أنَّ الطَّهارةَ لا تُوجدُ للعُضوِ إلا بعدَ كَمالِ جَميعِ الطَّهارةِ، وقد قالَ ﵇:«وهُما طاهِرتان»، فأخبَرَ عن الطَّهارةِ الشَّرعيةِ.
(١) «تحفة الفقهاء» (١/ ٨٥)، و «بدائع الصنائع» (١/ ٤٢، ٤٣)، و «المبسوط» (١/ ٥٥)، و «شرح فتح القدير» (١/ ٣٥)، و «رد المحتار» (١/ ٤٥٣)، و «كفاية الأخيار» ص (٨٨)، و «المغني» (١/ ٣٦٠، ٣٦١)، و «الأم» (١/ ٤٨)، و «أسنى المطالب» (١/ ٩٤).