ولأنَّ عَدَمَ التَّدبيرِ ووُجودَ التَّبذيرِ يُوجِبُ ثُبوتَ الحَجْرِ، كالصَّغيرِ، ولأنَّ ما يُستَدامُ به الحَجْرُ لاستِدامَتِه وَجَب إذا طَرَأ أنْ يَبتَدئَ الحَجْرُ به، كالجُنونِ.
ولأنَّ هذا سَفيهٌ فيُحجَرُ عليه، كما لو بَلَغَ سَفيهًا؛ فإنَّ العِلةَ التي اقتَضَتِ الحَجْرَ عليه إذا بَلَغ سَفيها سَفَهُه، وهو مَوجودٌ، ولأنَّ السَّفَهَ لو قارَنَ البُلوغَ منَع دَفْعَ ماله إليه، فإذا حَدَث أوجَبَ انتِزاعَ المالِ كالمَجنونِ، وفارَقَ الرَّشيدَ؛ فإنَّ رُشدَه لو قارَنَ البُلوغَ لَم يَمنَعْ دَفْعَ مالِه إليه.
وذهَب الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه إذا بَلَغَ رَشيدًا ثم صارَ سَفيهًا لَم يُمنَعْ منه المالُ، فلا يُحجَرُ على الحُرِّ البالِغِ العاقِلِ السَّفيهِ عندَه، وتَصرُّفُه في مالِه جائِزٌ، وإنْ كان مُبذِّرًا مُفسِدًا يُتلِفُ مالَه فيما لا غَرَضَ له فيه ولا مَصلَحةَ، سَواءٌ كان يُبذِّرُ مالَه في الخَيرِ أو في الشَّرِّ.
وإنَّما لَم يُحجَرْ عليه عندَ أبي حَنيفةَ لأنَّه مُخاطَبٌ عاقِلٌ، ولأنَّ في سَلبِ ولايَتِه إهدارًا لِآدَميَّتِه، وإلحاقًا له بالبَهائِمِ، وذلك أشَدُّ عليه مِنَ التَّبذيرِ وإضاعةِ المالِ، وهذا مما يَعرِفُه ذَوو العُقولِ والنُّفوسِ الأبيَّةِ، ولا يَجوزُ تَحمُّلُ الضَّرَرِ الأعلى لِدَفعِ الضَّرَرِ الأدنى، حتى لو كان في الحَجْرِ عليه دَفعَ الضَّرَرِ العامِّ جازَ كالحَجرِ على الطَّبيبِ الجاهِلِ والمُفتي الماجِنِ والمُكاري المُفلِسِ؛ لِعُمومِ الضَّرَرِ مِنَ الأوَّلِ في الأبدانِ، ومِنَ الثاني في الأديانِ، ومِنَ الثالِثِ في الأموالِ؛ فإنَّ هؤلاء يُحجَرُ عليهم فيما يُروَى عن أبي حَنيفةَ؛ إذ هو دَفعُ الأعلى بالأدْنى.