للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَكِرةٍ، ومَن كان مُصلِحًا لِمالِه فقد وُجِدَ منه رُشدٌ، ولأنَّ العَدالةَ لا تُعتبَرُ في الرُّشدِ في الدَّوامِ، فلا تُعتبَرُ في الابتِداءِ، كالزُّهدِ في الدُّنيا، ولأنَّ هذا مُصلِحٌ لِمالِه فأشبَهَ العَدلَ، يُحقِّقُه أنَّ الحَجْرَ عليه إنَّما كان لِحِفظِ مالِه عليه، فالمُؤثِّرُ فيه ما أثَّرَ في تَضييعِ المالِ أو حِفظِه.

ولو كان الرُّشدُ صَلاحَ الدِّينِ فالحَجْرُ على الكافِرِ أوْلى مِنَ الحَجْرِ على الفاسِقِ.

ثم إنْ كان الفاسِقُ يُنْفِقُ أموالَه في المعاصي -كشِراءِ الخَمرِ وآلاتِ اللَّهوِ- أو يَتوصَّلُ به إلى الفَسادِ، فهو غيرُ رَشيدٍ لِتبَذيرِه لِمالِه وتَضييعِه إيَّاه في غيرِ فائِدةٍ على الخِلافِ في ذلك، وإنْ كان فِسقُه لِغَيرِ ذلك كالكَذِبِ ومَنعِ الزَّكاةِ وإضاعةِ الصَّلاةِ مع حِفظِه لِمالِه دُفِعَ مالُه إليه؛ لأنَّ المَقصودَ بالحَجرِ حِفظُ المالِ، ومالُه مَحفوظٌ بدونِ الحَجْرِ، ولذلك لو طَرَأ الفِسقُ عليه بعدَ دَفعِ مالِه إليه لَم يُنزَعْ.

ولأنَّ النَّبيَّ أقامَ الحُدودَ ثم لَم يَحجُرْ على من أقامَها عليه في مالِه وكذا أقامَها أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ ، ولَم يُنقَلْ أنَّهم حَجَروا على مَنْ أقاموا ذلك عليه.

ولأنَّ وازِعَ المالِ طَبيعيٌّ، ووازِعَ الدِّينِ شَرعيٌّ، والطَّبيعيَّ أقوى بدَليلِ قَبولِ إقرارِ الفاسِقِ الفاجِرِ؛ لأنَّ وازِعَه طَبيعيٌّ، ورَدِّ شَهادَتِه؛ لأنَّ الوازِعَ فيها شَرعيٌّ، اشتُرِطَتِ العَدالةُ فيها دونَ الإقرارِ (١).


(١) «الجوهرة النيرة» (٣/ ٢٧٠)، و «الاختيار» (٢/ ١١٨)، و «الهداية» (٣/ ٢٨٤)، و «العناية» (١٣/ ٢٣٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٤١٠)، و «الإشراف» (٣/ ٣٧، ٣٨)، و «القوانين الفقهية» ص (١١١)، و «البيان والتحصيل» (١٤/ ٢٢)، و «الذخيرة» (٨/ ٢٣١)، و «الإفصاح» (١/ ٤٢٧، ٤٢٨)، و «المغني» (٤/ ٣٠١، ٣٠٢)، و «مطالب أولى النهى» (٣/ ٤٠٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>