وقال الحَنابِلةُ: إذا حَلَّ الحَقُّ لَزِمَ الراهِنَ الإيفاءُ؛ لأنَّه دَينٌ حالٌّ فلَزِمَ إيفاؤُه، كالذي لا رَهنَ به، فإنْ لَم يُوَفِّ وكان قد أذِنَ لِلمُرتَهَنِ أو لِلعَدلِ في بَيعِ الرَّهنِ باعه ووَفَّى الحَقَّ مِنْ ثَمَنِه، وما بَقيَ مِنْ ثَمَنِه فلِمالِكِه، وإنْ بَقيَ مِنَ الدَّينِ شَيءٌ فعلى الراهِنِ.
وإنْ لَم يَكُنْ أذِنَ لَهما في بَيعِه أو كان قد أذِنَ لهما ثم عَزَلَهما طُولِبَ بالوَفاءِ وبَيعِ الرَّهنِ، فإنْ فَعَلَ وإلا فَعَلَ الحاكِمُ ما يَرى مِنْ حَبسِه وتَعزيرِه لِيَبيعَه، أو باعه الحاكِمُ بنَفْسِه أو أمينُه؛ لأنَّه حَقٌّ تَعيَّنَ عليه، فإذا امتَنَع مِنْ أدائِه قام الحاكِمُ مَقامَه في أدائِه كالإيفاءِ مِنْ جِنسِ الدَّينِ، وإنْ وَفَّى الدَّينَ مِنْ غيرِ الرَّهنِ انفَكَّ الرَّهنُ.
والمُرتَهَنُ أحَقُّ بثَمَنِ الرَّهنِ مِنْ جَميعِ الغُرَماءِ حتى يَستوفيَ حَقَّه حَيًّا كان الراهِنُ أو مَيِّتًا، فإذا ضاقَ مالُ الراهِنِ عن دُيونِه وطالَبَ الغُرماءُ بدُيونِهم أو حُجِرَ عليه لِفَلَسِه وأُريدَ قِسمةُ مالِه بينَ غُرَمائِه فأوَّلُ مَنْ يُقدَّمُ مَنْ له أرشُ جِنايةٍ يَتعلَّقُ برَقَبةِ بَعضِ عَبيدِ المُفلِسِ، ثم مَنْ له رَهنٌ؛ فإنَّه يُخَصُّ بثَمَنِه عن سائِرِ الغُرماءِ؛ لأنَّ حَقَّهُ مُتعلِّقٌ بعَينِ الرَّهنِ وذِمَّةِ الراهِنِ معًا، وسائِرُهم يَتعلَّقُ حَقُّه بالذِّمَّةِ دونَ العَينِ، فكان حَقُّه أقوى، وهذا مِنْ أكثَرِ فَوائِدِ الرَّهنِ، وهو تَقديمُه بحَقِّه عندَ فَرضِ مُزاحَمةِ الغُرَماءِ، قال ابنُ قُدامةَ: ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ وأصحابِ الرَّأيِ وغَيرِهم،