يَكونُ رَهنًا بالبَقيَّةِ، فإذا قَضاه بَعضَ الحَقِّ كان الرَّهنُ بحالِه على ما بَقيَ؛ لأنَّ حَقَّ الوَثيقةِ يَتعلَّقُ بالرَّهنِ جَميعُه، فيَصيرُ مَحبوسًا بكُلِّ الحَقِّ وبكلِّ جُزءٍ منه لا يَنفَكُّ منه شَيءٌ حتى يُقضى جَميعُ الدَّينِ، سَواءٌ كان مما يُمكِنُ قِسمَتُه أو لا؛ لأنَّ الرَّهنَ وَثيقةٌ بحَقٍّ، فلا يَزولُ إلا بزَوالِ جَميعِه، كالضَّمانِ والشَّهادةِ.
قال ابنُ المُنذرِ ﵀: أجمَعَ كلُّ مَنْ أحفَظُ عنه مِنْ أهلِ العِلمِ على أنَّ مَنْ رهَن شَيئًا بمالٍ فأدى بَعضَ المالِ وأرادَ إخراجَ بَعضِ الرَّهنِ أنَّ ذلك ليس له، ولا يَخرُجُ شَيءٌ حتى يُوَفِّيَه آخِرَ حَقِّه أو يُبرِئَه مِنْ ذلك، كذلك قال مالِكٌ والثَّوريُّ والشافِعيُّ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ وأصحابُ الرَّأيِ (١).
وقال الكاسانيُّ ﵀: يَتعلَّقُ بحالِ قيامِ المَرهونِ مِلكُ حَبسِ المَرهونِ على سَبيلِ الدَّوامِ إلى وَقتِ الفِكاكِ أو مِلكِ العَينِ في حَقِّ الحَبسِ على سَبيلِ الدَّوامِ إلى وَقتِ الفِكاكِ، وكَونُ المُرتَهَنِ أحَقَّ بحَبسِ المَرهونِ على سَبيلِ اللُّزومِ إلى وَقتِ الفِكاكِ، والعباراتُ مُتَّفِقةُ المَعاني في مُتعارَفِ الفُقهاءِ؛ لقَولِ اللهِ ﷾: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، أخبَرَ اللهُ ﷾ بكَونِ الرَّهنِ مَقبوضًا، وإخبارُه ﷾ لا يَحتمِلُ الخَلَلَ، فاقتَضى أنْ يَكونَ المَرهونُ مَقبوضًا ما دامَ مَرهونًا، ولو
(١) «الإجماع» (٥٢٥)، و «الأوسط» (٥/ ٦٩١). يُنظر: «شرح ميارة» (١/ ١٨٥)، و «تحبير المختصر» (٤/ ١١٥)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ٢٥٩)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٤١٦)، و «المغني» (٤/ ٢٣٥).