للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= التَّأبيدِ يُنتفَعُ بها على الوجهِ الذي يُنتفعُ به أمثالُها وإذا كان هذا المَقصودَ لَم يصح ضَبطُه مع عدمِ التَّعيينِ. ألا ترى أن نفسَ المَبيعِ يُعفى فيه عن الجَهالةِ بالاتِّباعِ، كمَا أجازَ الشَّرعُ بَيعَ الدِّيارِ مِنْ غيرِ كشفٍ على أساسِها وباطنِ سقفِها وحِيطانِها، وما ذاك إلا تَكون ذلك في حُكم التَّبعِ، فكذلك يُعفى عن الرَّهنِ وإن لَم يكن معينًا كَونه تبعًا لِلحقِّ الذي وقَع به الرَّهنُ.
(٢) فإن قيل: يَلزمُكم على هذا أن تُجيزوا بَيعَ سِلعةٍ بثَمنٍ مَعلومٍ على أن المُشترِي قال: أرتهنُك بثمنِها شيئًا، أو أرهَنكَ ما في كُمّي أو ما في صُندوقِي.
فأما قولُه: أرهنُك شيئًا، فقَد التزَم ابنُ القصَّار، مِنْ أصحابِنا، أن ذلك لا يُمنعُ، ويقُضي بِرهنٍ فيه وفاءً.
وهذا الذي قالَه التِفاتٌ منه إلى أنه لَيس المَقصودُ بقولِه: «شيئًا» إحالةً على جَهالةٍ، بل المُرادُ به ما يرادُ بهذا الكَلامِ لَو أُطلقَ ولم يقيّدْ بقولِه: شَيئًا.
ومعلومٌ أن الركنَ لا بدَّ أن يَكونَ شَيئًا، فَلأجلِ هذا اطَّرح هذه الزِّيادَة. وأما قولُه: أرهنُك ما في كُمّي أو صُندوقي، فإنَّهما أشعَرا بذلك أن الرَّهنَ يتَعينُّ، والقَصدُ منهُما اعتِبارُ ما يُوفّي بالحقِّ، بل أحالَه على عَينٍ مَحصورةٍ لا يُدرَى جِنسُها ولا مَبلغُها، فقد يكونُ في كمِّه ما يَعظم ثمنُه، أو يكونُ في كمِّه ما لا قِيمةَ لَه، فيَصيرانِ ها هنا قاصِدين إلى المُخاطرةِ لمَّا حضَر الرَّهن، وأشارَ إلى عَينٍ مَوجودةٍ لا يُدرَى ما هي، بخِلافِ إذا قالَ: أبيعُك على أن تعطِيني رَهنًا؛ فإنَّ هذا الإطلاقَ لا يقتَضي تَعيينًا ولا إشارةً إليه، فلِهذا كان مَمنوعًا، والقُصُود مُعتبرةٌ في العُقودِ، ألا ترى أنه لَو تزوَّج امرأةً بعبدٍ، ولم يصفْه بالصِّفاتِ التي تجِبُ في البَياعاتِ لَصحَّ النِّكاحُ وقُضِي فيه بعبدٍ وسطٍ، وما ذاك إلا لِكونِ النِّكاحِ مَبناهُ على المُسامحَةِ والرَّغبةِ في الاتصالِ، والبَياعاتُ مَبناها على المُشاحَّةِ والحِرصِ على الغبنِ. فكذلك اشتراطُ رَهنِ عَينٍ مُعينٍ. ولو قال: أنكَحْكِ بعبدٍ في بيتي، لَم يوصف، لَم يَجز ذلك لِكونِ الأمرِ ها هنا أُشيرَ به إلى مُعيَّن لا تُعرفُ صَنعتُه ولا سَلامتُه مِنَ العُيوبِ، فدلَّ ذلك على صِحَّةِ ما قُلناهُ مِنْ اعتبارِ القُصودِ في العُقودِ.
وإذا وقَع اشتِراطُ الرَّهنِ أو الضَّمينِ مُعينًا فلا يَلزمُ البائعَ قبولُ غيرِهما، وإن سدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>