للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقَولِ النَّبيِّ : «مَنْ أسْلَفَ في تَمْرٍ فلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، ووَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ» (١)؛ لأنَّ عِلمَه يَمنَعُ النِّزاعَ، ولأنَّ الجَهالةَ فيه مانِعةٌ مِنَ التَّسليمِ الواجِبِ بالعَقدِ؛ لأنَّه إذا كان مَجهولًا أثَّرَ في التَّسليمِ، فيُطالِبُه البائِعُ بالثَّمنِ في قَريبِ المُدَّةِ، والمُشتَري في بَعيدِها.

فأمَّا كَيفيَّةُ الأجَلِ: فيُشترَطُ أنْ يَكونَ الأجَلُ مَعلومًا بالسِّنينِ أو بالشُّهورِ أو بالأيامِ، أو يُسلِّمَ إلى وَقتٍ مَعلومٍ؛ مِثلَ مَجيءِ شَهرِ كذا، أو إلى عيدِ كذا، أو نَحوِه؛ فإنْ ذَكَر أجَلًا مَجهولًا، مِثلَ الحَصادِ والعَطاءِ وقُدومِ الحاجِّ وما أشبَهَه لا يَصحُّ، وهذا مَذهبُ جُمهورِ الفُقهاءِ الحَنفيَّةِ والشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ؛ لِقولِ ابنِ عَبَّاسٍ : «لا تَبايَعوا إلى الحَصادِ والدِّياسِ، ولا تَتبايَعوا إلا إلى أجَلٍ مَعلومٍ» (٢)، أي: إلى شَهرٍ مَعلومٍ، ولأنَّ ذلك يَختلِفُ ويَقرُبُ ويَبعُدُ؛ فلا يَجوزُ أنْ يَكونَ أجَلًا؛ كقُدومِ زَيدٍ.

وقال المالِكيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ: يَجوزُ إلى الحَصادِ والجِذاذِ؛ لأنَّ ابنَ عُمرَ كان يُبايِعُ إلى العَطاءِ (٣)؛ ولأنَّه أجَلٌ يَتعلَّقُ بوَقتٍ مِنَ الزَّمَنِ يُعرَفُ في العادةِ، لا يَتفاوَتُ فيه تَفاوُتًا كَثيرًا؛ فأشبَهَ إذا قال: إلى رأسِ السَّنةِ.

قال الإمامُ القُرطبيُّ : وهو أنْ يَكونَ الأجَلُ مَعلومًا؛ فلا خِلافَ فيه بينَ الأُمَّةِ؛ لِوَصفِ اللهِ تَعالى ونَبيِّه الأجَلَ بذلك، وانفَرَد مالِكٌ دونَ


(١) رواه البخاري (٢٢٤٠)، ومسلم (١٦٠٤).
(٢) إسنادُه صحيحٌ، رجالُه كلُّهم ثِقاتٌ.
(٣) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٦/ ٧١) رقم (٢٠٦٢٨)، في إسنادِه حجَّاج بنُ أرْطأةَ (مدلِّسٌ ولم يُصرِّح بالسَّماعِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>