للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَيانُ ذلك إذا اشتَرَى ثَوبًا بعَشَرةٍ فباعَه بخَمسةَ عشَرَ ثم اشتَراه بعَشَرةٍ فإنَّه يَبيعُه مُرابَحةً على خَمسةٍ عندَه، وعندَهما على عَشَرةٍ، ولو باعَه بعِشرينَ، ثم اشتَراه بعَشَرةٍ لَم يَبِعْه مُرابَحةً أصلًا، وعندَهما يَبيعُه مُرابَحةً على عَشَرةٍ.

وَجْهُ قَولِهما: أنَّ العُقودَ المُتقدِّمةَ لا عِبرةَ بها؛ لأنَّها ذَهَبتْ وتَلاشَتْ بنَفْسِها وحُكمِها؛ فأمَّا العَقدُ الأخيرُ فحُكمُه قائِمٌ، وهو المِلْكُ، فكانَ هذا المُعتبَرَ، ويَبيعُه مُرابَحةً على الثَّمنِ الأخيرِ.

ولِأبي حَنيفةَ أنَّ الشِّراءَ الأخيرَ كما أوجَبَ مِلْكَ الثَّوبِ، فقد أكَّدَ الرِّبحَ وهو خَمسةٌ؛ لأنَّه كانَ يَحتمِلُ البُطلانَ بالرَّدِّ بالعَيبِ أو بغيرِه مِنْ أسبابِ الفَسخِ، فإذا اشتَرَى فقد خرَج عن احتِمالِ البُطلانِ، فتَأكَّدَ، ولِلتَّأكُّدِ شُبهةُ الإثباتِ، فكانَ مُشتَريًا لِلثَّوبِ وخَمسةِ الرِّبحِ بعَشَرةٍ مِنْ وَجْهٍ، فكانَ فيه شُبهةُ أنَّه اشتَرَى شَيئَيْنِ ثم باعَ أحَدَهما مُرابَحةً على ثَمَنِ الكُلِّ، وذا لا يَجوزُ مِنْ غيرِ بَيانٍ؛ لأنَّ الشُّبهةَ في هذا البابِ لَها حُكمُ الحَقيقةِ، ألَا تَرَى أنَّه لو اشتَرَى ثَوبًا بعَشَرةٍ نَسيئةً ثم أرادَ أنْ يَبيعَه مُرابَحةً على عَشَرةٍ نَقدًا لَم يَبِعْه مُرابَحةً مِنْ غيرِ بَيانٍ، احتِرازًا عن الشُّبهةِ؛ لأنَّ لِلأجَلِ شُبهةَ أنْ يُقابِلَه الثَّمنُ، على ما مَرَّ، فوجَب التَّحرُّزُ عنه بالبَيانِ، كذا هذا، فإذا باعَه بعِشرينَ ثم اشتَراه بعَشَرةٍ صارَ كأنَّه اشتَرَى ثَوبًا وعَشَرةً بعَشَرةٍ، ويَكونُ العَشَرةُ بالعَشَرةِ، ويَبقَى الثَّوبُ خاليًا عن العِوَضِ في عَقدِ المُعاوَضةِ فيَتمكَّنُ فيه شُبهةُ الرِّبا، فلَم يَبِعْه مُرابَحةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>