وسَبَبُ الخِلافِ: هل نُقصانُ العِلمِ المُتعلِّقِ بالصِّفةِ عن العِلمِ المُتعلِّقِ بالحِسِّ هو جَهلٌ مُؤثِّرٌ في بَيعِ الشَّيءِ، فيَكونَ مِنْ الغَرَرِ الكَثيرِ أو ليسَ بمُؤثِّرٍ، وأنَّه مِنْ الغَرَرِ اليَسيرِ المَعفُوِّ عنه؟ فالشافِعيُّ رَآه مِنْ الغَرَرِ الكَثيرِ، ومالِكٌ رَآه مِنْ الغَرَرِ اليَسيرِ، وأمَّا أبو حَنيفةَ فإنَّه رَأى أنَّه إذا كانَ له خيارُ الرُّؤيةِ لا غَرَرَ هُناكَ، وإنْ لَم تَكُنْ له رُؤيةٌ، وأمَّا مالِكٌ فرَأى أنَّ الجَهلَ المُقترِنَ بعَدَمِ الصِّفةِ مُؤثِّرٌ في انعِقادِ البَيعِ، ولا خِلافَ عندَ مالِكٍ أنَّ الصِّفةَ إنَّما تَنوبُ عن المُعايَنةِ لِمَكانِ غَيبةِ المَبيعِ، أو لِمَكانِ المَشقَّةِ التي في نَشْرِه، وما يُخافُ أنْ يَلحَقَه مِنْ الفَسادِ بتَكرارِ النَّشْرِ عليه، ولِهذا أجازَ البَيعَ على البَرنامَجِ على الصِّفةِ، ولَم يَجُزْ عندَه بَيعُ السِّلاحِ في جِرابِه، ولا الثَّوبِ المَطويِّ في طَيِّه حتى يُنشَرَ أو يُنظَرَ إلى ما في الجِرابِ أو الطَّيِّ.
واحتَجَّ أبو حَنيفةَ بما رُويَ عن ابنِ المُسَيِّبِ أنَّه قالَ: قالَ أصحابُ النَّبيِّ ﷺ: وَدِدْنا أنَّ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ وعَبدَ الرَّحمَنِ بنَ عَوفٍ تَبايَعا حتى نَعلَمَ أيُّهما أعظَمُ جِدًّا في التِّجارةِ؛ فاشتَرَى عَبدُ الرَّحمَنِ مِنْ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ فَرَسًا بأرضٍ له أُخرَى بأربَعينَ ألْفًا أو أربَعةِ آلافٍ … فذكَر تَمامَ الخَبَرِ.
وفيه بَيعُ الغائِبِ مُطلَقًا، ولا بدَّ، عندَ أبي حَنيفةَ مِنْ اشتِراطِ الجِنسِ.
ويَدخُلُ البَيعَ -على الصِّفةِ، أو على خيارِ الرُّؤيةِ مِنْ جِهةِ ما هو غائِبٌ- غَرَرٌ آخَرُ، وهو: هل هو مَوجودٌ وَقتَ العَقدِ أو مَعدومٌ؟ ولِذلك اشتَرَطوا فيه أنْ يَكونَ قَريبَ الغَيبةِ، إلَّا أنْ يَكونَ مَأمونًا، كالعَقارِ.