أمَّا إنِ استَهلَكَ المَبيعَ فلا رُجوعَ مُطلَقًا بالنُّقصانِ بلا خِلافٍ، وكذا لو باعَه أو وهَبه ثم اطَّلَعَ على عَيبٍ لَم يَرجِعْ إجماعًا.
إلَّا الطَّعامَ، إذا أكَلَه المُشتَري، أو الثَّوبَ إذا لَبِسَه فتَخرَّقَ، ثم اطَّلَعَ على العَيبِ، لَم يَرجِعْ بشيءٍ عندَ الإمامِ أبي حَنيفةَ؛ لأنَّ المُشتَريَ بأكلِ الطَّعامِ ولُبسِ الثَّوبِ أخرَجَهما عن مِلكِه حَقيقةً؛ إذ المِلْكُ فيهما ثبَت مُطلَقًا، لا مُؤقَّتًا، فامتَنَعَ الرَّدُّ بفِعلٍ مَضمونٍ منه في المَبيعِ، فصارَ كما لو باعَه.
وعندَ أبي يُوسفَ ومُحمَّدٍ له أنْ يَرجِعَ بنُقصانِ العَيبِ؛ لأنَّ الأكلَ واللُّبسَ تَصرُّفٌ مِنْ المُشتَري في المَبيعِ فيما وُضِعَ له، وأنَّه انتِفاعٌ لا إتلافٌ؛ فأشبَهَ الإعتاقَ.
والمُرادُ بالطَّعامِ هو المَكيلُ والمَوزونُ.
ولو أكَلَ بَعضَ الطَّعامِ ثم عَلِمَ بالعَيبِ لَم يَرُدَّ البَقيَّةَ ولا يَرجِعُ بالأرشِ فيما أكَلَ، ولا فيما بَقيَ عندَ أبي حَنيفةَ؛ لأنَّ الطَّعامَ كالشَّيءِ الواحِدِ.
واختلَف النَّقلُ عن أبي يُوسفَ ومُحمَّدٍ، فرُويَ عنهما أنَّه يَرُدُّ ما بَقيَ ويَرجِعُ بنُقصانِ ما أكَلَ.
ورُويَ عَنهُما: أنَّه لا يَرُدُّ ما بَقيَ ويَرجِعُ بأرشِ العَيبِ في الجَميعِ.
وهذا كُلُّه في أكلِ البَعضِ، أمَّا لو باعَ بَعضَ المَكيلِ والمَوزونِ فعندَهُما: لا يَرُدُّ ما بَقيَ ولا يَرجِعُ بشَيءٍ، وعَن مُحمَّدٍ: يَرُدُّ ما بَقيَ ولا يَرجِعُ بنُقصانِ ما باعَ.
وعن مُحمَّدٍ: لا يَرجِعُ بنَقصِ ما باعَ، ويَرُدُّ البَقيَّةَ بحِصَّتِه مِنْ الثَّمنِ.