للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَولُ النَّبيِّ : «الخَراجُ بالضَّمانِ»، يَدلُّ على أنَّ مَنْ له الخَراجُ عليه الضَّمانُ؛ لِكَونِه جعَل الضَّمانَ عِلَّةً لِوُجوبِ الخَراجِ له؛ فلو كانَ ضَمانُه على البائِعِ لَكانَ الخَراجُ له لِوُجودِ عِلَّتِه، ولأنَّ وُجوبَ الضَّمانِ على البائِعِ لا يثبُتُ إلَّا بنَصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ، ولا نَعلَمُ في هذا نَصًّا ولا إجماعًا.

والقياسُ إنَّما يَكونُ على أصلٍ، ولا نَعلَمُ لِهَذا أصلًا ولا يُشبِهُ هذا التَّغريرَ بحُرِّيَّةِ الأَمَةِ في النِّكاحِ؛ لأنَّه يَرجِعُ على مَنْ غَرَّه، وإنْ لَم يَكُنْ سَيِّدَ الأَمَةِ، وهَهُنا لو كانَ التَّدليسُ مِنْ وَكيلِ البائِعِ لَم يَرجِعْ عليه بشَيءٍ (١).

وقالَ ابنُ رُشدٍ : وأمَّا حُجَّةُ مَنْ قالَ: إنَّه ليسَ لِلمُشتَري إلَّا أنْ يَرُدَّ ويَرُدَّ قيمةَ العَيبِ أو يُمسِكَ؛ فلأنَّهم قد أجمَعوا على أنَّه إذا لَم يَحدُثُ بالمَبيعِ عَيبٌ عندَ المُشتَري فليسَ هناك إلَّا الرَّدُّ؛ فوجَب استِصحابُ حالِ هذا الحُكمِ، وإنْ حدَث عندَ المُشتَري عَيبٌ مع إعطائِه قيمةَ العَيبِ الذي حدَث عندَه.

وأمَّا مالِكٌ فلمَّا تَعارَضَ عندَه حَقُّ البائِعِ وحَقُّ المُشتَري، غلَب المُشتَري، وجعَل له الخيارَ؛ لأنَّ البائِعَ لا يَخلو مِنْ أحَدِ أمرَيْنِ، إمَّا أنْ يَكونَ مُفرِّطًا في أنَّه لَم يَستَعلِمِ العَيبَ ويَعلَم به المُشتَري، أو يَكونَ عَلِمَه فدلَّس به على المُشتَري.


(١) «المغني» (٤/ ١١٣)، ويُنظر: «شرح الزركشي» (٢/ ٦٨)، و «الإنصاف» (٤/ ٤١٦، ٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>