وكالأجَلِ؛ فلو قالَ: أنتِ طالِقٌ مِنْ واحِدةٍ إلى ثلاثٍ، أو: له عَلَيَّ مِنْ دِرهَمٍ إلى عَشَرةٍ، لَم يَدخُلِ الدِّرهِمُ العاشِرُ والطَّلقةُ الثَّالثةُ، وليسَ ههُنا شَكٌّ، ولأنَّ الأصلَ هو حَملُ اللَّفظِ على مَوضوعِه؛ فكَأنَّ واضِعَ اللُّغةِ قالَ: متى سَمِعتُم هذه اللَّفظةَ؛ فافهَموا مِنها انتِهاءَ الغايةِ.
ولأنَّ الأصلَ لُزومُ العَقدِ، وإنَّما خُولِفَ فيما اقتَضاه الشَّرطُ، فيثبُتُ ما يُتيقَّنُ مِنه، وما شَكَكْنا فيه رَدَدْناه إلى الأصلِ.
وقالَ الإمامُ أبو حَنيفةَ وهو قَولٌ مُخرَّجٌ عندَ الحَنابِلةِ: إذا شَرطَ الخيارَ إلى اللَّيلِ أو إلى الغَدِ؛ يَدخُلُ اللَّيلُ والغَدُ في مُدَّةِ الخِيارِ؛ لأنَّ المَقصودَ مِنْ الغايةِ هُنا هو إخراجُ ما بعدَها مِنْ حُكمِ ما قبلَها؛ فالغاياتُ مُنقَسِمةٌ إلى: غايةِ إخراجٍ، وغايةِ إثباتٍ، فغايةُ الإخراجِ تَدخُلُ تَحتَ ما ضُرِبتْ له الغايةُ، كما في قَولِه تَعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦]، والغايةُ هَهُنا في مَعنَى غايةِ الإخراجِ، ألَا تَرَى أنَّه لو لَم يَذكُرِ الوَقتَ أصلًا اقتَضى ثُبوتَ الخيارِ في الأوقاتِ كُلِّها، حتى لو لَم يَصحَّ؟ لأنَّه يَكونُ في مَعنَى شَرطِ خِيارٍ مُؤبَّدٍ، بخِلافِ التَّأجيلِ إلى غايةٍ؛ فإنَّه لَولا ذِكرُ الغايةِ لَم يَثبُتِ الأجَلُ أصلًا؛ فكانَتِ الغايةُ غايةَ إثباتٍ، فلَم تَدخُلْ تَحتَ ما ضُرِبتْ له الغايةُ.
ولأنَّ الخيارَ ثابِتٌ بيَقينٍ لا نُزيلُه بالشَّكِّ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢٦٧، ٢٦٨)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٤، ٣٥)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٤٠)، و «الحاوي الكبير» (٥/ ٦٩)، و «اختلاف الفقهاء» (١/ ٧٤)، و «المجموع» (٩/ ١٨٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ١٠١)، و «أسنى المطالب» (٢/ ٥١)، و «جواهر العقود» (١/ ٥٠)، و «المغني» (٤/ ٢٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute