للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيَّةُ: وصَحَّ الخيارُ بعدَ انعِقادِ البَيعِ على البَتِّ لِلمُشتَرِي أو لِلبائِعِ، بأنْ يَجعَلَ أحَدُهما لِصاحِبِه، أو كُلٌّ مِنهما لِلآخَرِ الخِيارَ، أو لِغيرِهما، بعدَ بَتِّ البَيعِ إنْ نُقِدَ الثَّمنُ لِلبائِعِ، وأمَّا الجَمعُ بينَ البَتِّ والخِيارِ في عَقدٍ واحِدٍ فهو مَمنوعٌ؛ لِخُروجِ الرُّخصةِ عن مَورِدِها؛ لأنَّ إباحةَ الخيارِ رُخصةٌ، وذلك لأنَّ الخيارَ مُحتَوٍ على غَرَرٍ؛ إذ لا يَدري كُلٌّ مِنْ المُتَبايِعَيْنِ ما يَحصُلُ لَه، هل الثَّمنُ أو المُثَمَّنُ؟ لِجَهلِه بانبرامِ العَقدِ، ومتى يَحصُلْ يَكُنْ مُقتَضاه أنْ يَكونَ مَمنوعًا، لكنْ رَخَّصَ الشارِعُ فيه فأباحَه عندَ انفِرادِه، وهو بَيعٌ مُؤتَنَفٌ، بمَنزِلةِ بَيعِ المُشتَرِي لَها مِنْ غيرِ البائِعِ، وضَمانُه حينَ وُقوعِه بعدَ البَتِّ مِنْ المُشتَرِي؛ لأنَّه صارَ بائِعًا حينَئذٍ.

وإذا لَم يُنقَدِ الثَّمنُ لا يَصحُّ؛ لأنَّه إذا لَم يَنقُدْه فقد فسَخ البائِعُ مالَه في ذِمَّةِ المُشتَرِي في مُعيَّنٍ يَتأخَّرُ قَبضُه (١).

وقالَ الشافِعيَّةُ: إنْ شرَط الخيارَ بعدَ العَقدِ في المَجلِسِ صَحَّ في الأظهَرِ، ولو شرَط في العَقدِ الخيارَ مِنْ الغَدِ، كأنْ قالَ: بِعتُكَ الآنَ على أنْ يَكونَ لي الخيارُ مِنْ الغَدِ -مَثَلًا-، بطَل العَقدُ، وإلَّا أدَّى إلى جَوازِه بعدَ لُزومِه (٢).

وقالَ الحَنابِلةُ: لو ألحَقا في العَقدِ خِيارًا بعدَ لُزومِه لَم يَلحَقْه؛ لأنَّه عَقدٌ لازِمٌ، فلَم يَصِرْ جائِزًا بقَولِهما، كالنِّكاحِ، وإنْ فعَلا ذلك في مُدَّةِ


(١) «تحبير المختصر» (٣/ ٥٨١)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ١١١)، و «حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير» (٤/ ١٥٢).
(٢) «روضة الطالبين» (٣/ ١٠٣)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٤٩٥)، و «الإقناع» (٢/ ٢٨٥)، و «حاشية قليوبي على كنز الراغبين» (٢/ ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>