للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ كانا في سَفينةٍ صَغيرةٍ خرَج أحَدُهما منها ومَشَى، وإنْ كانَتْ كَبيرةً صَعِدَ أحَدُهما أعلاها، ونَزَلَ الآخَرُ أسفَلَها، وهذا كُلُّه مَذهبُ الشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ.

وقالَ ابنُ قُدامةَ : ومَتَى حصَل التَّفرُّقُ لزِم العَقدُ، سواءٌ قصَدا ذلك أو لَم يَقصِداه، عَلِماه أو جَهِلاه؛ لأنَّ النَّبيَّ علَّق الخِيارَ على التَّفرُّقِ، وقد وُجدَ.

ولو هَرَبَ أحَدُهما مِنْ صاحِبِه لزِم العَقدُ؛ لأنَّه فارَقَه باختيارِه، ولا يَقِفُ لُزومُ العَقدِ على رِضاهما، ولِهذا كانَ ابنُ عمرَ يُفارِقُ صاحِبَه؛ لِيَلزَمَ البَيعُ.

ولو أقاما في المَجلِسِ وسَدَلا بينَهما سِترًا، أو بينَهما حاجِزًا، أو ناما، أو قاما فمَضَيا جَميعًا ولَم يَتفَرَّقا فالخِيارُ بحالِه، وإنْ طالَتِ المُدَّةُ؛ لعَدمِ التَّفرُّقِ، ورَوى أبو داوُدَ والأثرَمُ بإسنادِهما عن أبي الوَضيءِ قالَ: غَزَوْنا غَزوةً لَنا فنَزَلْنا مَنزِلًا، فباعَ صاحِبٌ لَنا فَرَسًا بغُلامٍ، ثم أقاما بَقيَّةَ يَومِهما ولَيلَتِهما، فلمَّا أصبَحا مِنْ الغَدِ حضَر الرَّحيلُ، فقامَ إلى فَرَسِه يُسرِجُه، فنَدِمَ، فأتى الرَّجُلَ وأخَذه بالبَيعِ، فأبى الرَّجُلُ أنْ يَدفَعَه إليه، فقالَ: بَيني وبينَكَ أبو بَرزةَ صاحِبُ النَّبيِّ ، فأتَيا أبا بَرزةَ في ناحيةِ العَسكَرِ، فقالا له هذه القِصَّةَ، فقالَ: أتَرضَيانِ أنْ أقضيَ بينَكُما بقَضاءِ رَسولِ اللَّهِ ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ : «البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَم يَتفَرَّقا، ما أُراكُما افترَقتُما» (١).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٤٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>