للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتابَتِها، فقالَتْ : إنْ شِئتِ أعطَيتُ أهلَكِ ويَكونُ الوَلاءُ لي، فلمَّا جاءَ رَسولُ اللَّهِ ذَكَرتْ ذلك، قالَ النَّبيُّ : «ابتاعيها فأعتِقيها؛ فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعتَقَ»، ثم قامَ رَسولُ اللَّهِ على المِنبَرِ فقالَ: ما بالُ أقوامٍ يَشتَرِطونَ شُروطًا ليسَتْ في كِتابِ اللَّهِ، مَنْ اشتَرطَ شَرطًا ليسَ في كِتابِ اللَّهِ فليسَ له، وإنِ اشتَرطَ مِئةَ شَرطٍ» (١).

فاختلَف العُلماءُ لِتَعارُضِ هذه الأحاديثِ في بَيعٍ وشَرطٍ:

فالحَنفيةُ يَمنَعونَ الشَّرطَ مُطلَقًا؛ لِحَديثِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه أنَّ رَسولَ اللَّهِ نهَى عن بَيعٍ وشَرطٍ، والنَّهيُ يَقتَضي فَسادَ المَنهيِّ عنه، فيَدلُّ على فَسادِ كلِّ بَيعٍ مع شَرطٍ، إلَّا ما خُصَّ عن عُمومِ النَّصِّ، ولأنَّ هذه الشُّروطَ يَكونُ بَعضُها فيه مَنفَعةٌ زائِدةٌ تَرجِعُ إلى العاقِدَيْنِ، أو إلى غيرِهما، وزِيادةُ مَنفَعةٍ مَشروطةٍ في عَقدِ البَيعِ تَكونُ رِبًا، والرِّبا حَرامٌ، والبَيعُ الذي فيه رِبًا فاسِدٌ، وبَعضُها فيه غَرَرٌ، ونهَى رَسولُ اللَّهِ عن بَيعٍ فيه غَرَرٌ، والمَنهيُّ عنه فاسِدٌ، وبَعضُها شرَط التَّلَهِّيَ، وهو مَحظورٌ، وبَعضُها يُغيِّرُ مُقتَضى العَقدِ، وهو مَعنَى الفَسادِ؛ إذِ الفَسادُ هو التَّغييرُ (٢).

والمالِكيَّةُ جَمَعوا بينَ هذه الأحاديثِ كُلِّها، فقالوا بمُقتَضاها، كُلٌّ في مَوضِعِه، وتأوَّلوها على وُجوهِها.


(١) رواه البخاري (٢٧٣٥)، ومسلم (١٥٠٤).
(٢) «بدائع الصنائع» (٥/ ١٧٥، ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>