بها مَنْ يُفتي مِنْ أصحابِ أبي حَنيفةَ، وأخَذ الثَّمنَ، أو زارَعَ على أنَّ البَذْرَ مِنْ العامِلِ، أو أكرَى الأرضَ بجُزءٍ مِنْ الخارِجِ منها، ونَحوَ ذلك، وقبَض المالَ، جازَ لِغيرِه مِنْ المُسلِمينَ أنْ يُعامِلَه في ذلك المالِ، وإنْ لَم يَعتقِدْ جَوازَ تلك المُعامَلةِ بطَريقِ الأوْلَى والأحْرَى، ولو أنَّه تَبيَّن له فيما بَعدُ رُجحانُ التَّحريمِ لَم يَكُنْ عليه إخراجُ المالِ الذي كَسَبَه بتَأويلٍ سائِغٍ؛ فإنَّ هذا أوْلَى بالعَفْوِ والعُذرِ مِنْ الكافِرِ المُتأوِّلِ، ولمَّا ضَيَّقَ بَعضُ الفُقهاءِ هذا على بَعضِ أهلِ الوَرَعِ ألجَأه إلى أنْ يُعامِلَ الكُفَّارَ ويَترُكَ مُعامَلةَ المُسلِمينَ، ومَعلومٌ أنَّ اللَّهَ ﷾ ورَسولَه ﷺ لا يَأمُرانِ المُسلِمَ بأنْ يَأكُلَ مِنْ أموالِ الكُفَّارِ ويَدَعَ أموالَ المُسلِمينَ، بَلِ المُسلِمونَ أوْلَى بكُلِّ خَيرٍ، والكُفَّارُ أوْلَى بكُلِّ شَرٍّ (١).
وقالَ أيضًا: وما قُبِضَ بتأويلٍ فإنَّه يَسوغُ لِلمُسلِمِ أنْ يَشتَريَه مِمَّنْ قبَضه، وإنْ كانَ المُشتَرِي يَعتقِدُ أنَّ ذلك العَقدَ مُحرَّمٌ، كالذِّمِّيِّ إذا باعَ خَمرًا وأخَذ ثَمَنَها جازَ لِلمُسلِمِ أنْ يُعامِلَه في ذلك الثَّمنِ، وإنْ كانَ المُسلِمُ لا يَجوزُ له بَيعُ الخَمرِ، كما قالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ ﵁: وَلُّوهم بَيعَها، وخُذوا أثمانَها، وهذا كانَ سَبَبُه أنَّ بَعضَ عُمَّالِه أخَذ خَمرًا في الجِزيةِ وباعَ الخَمرَ لِأهلِ الذِّمَّةِ؛ فبلَغ ذلك عمرَ ﵁، فأنكَرَ ذلك، وقاله، وهذا ثابِتٌ عن عمرَ ﵁، وهو مَذهبُ الأئِمَّةِ، وهكذا مَنْ عامَلَ مُعامَلةً يَعتقِدُ جَوازَها في مَذهبِه، وقبَض المالَ، جازَ لِغيرِه أنْ يَشتَريَ ذلك المالَ مِنه، وإنْ كانَ لا
(١) «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٣١٨، ٣٢٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute