لقولِ ابنِ عمرَ ﵁: وَدِدتُ أنَّ الأيديَ تُقطَعُ في بَيعِها (١)، ولأنَّ تَعظيمَه واجِبٌ، ويَكونُ في بَيعِه ابتِذالٌ له وتَرْكٌ لِتَعظيمِه، ولأنَّه يَشتَمِلُ على كَلامِ اللَّهِ ﷾، فتَجِبُ صيانَتُه عن البَيعِ والِابتِذالِ.
وأمَّا شِراؤُه فلا يُكرَهُ، وهو جائِزٌ؛ لأنَّه أسهَلُ مِنْ البَيعِ؛ لأنَّه استِنقاذٌ لِلمُصحَفِ، وبَذلٌ لِمَا فيه، فجازَ.
ولا يُكرَهُ استِبدالُه بمُصحَفٍ آخَرَ؛ لأنَّه لا يَدلُّ على الرَّغبةِ عنه، ولا على الِاستِبدالِ به بعِوَضٍ دُنيَويٍّ، بخِلافِ أخْذِ ثَمَنِه.
وذهَب جُمهورُ العُلماءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى جَوازِ بَيعِ المُصحَفِ وشِرائِه وإجارَتِه مع الكَراهةِ؛ لأنَّ البَيعَ يقعُ على الجِلدِ والوَرَقِ، وبَيعُ ذلك مُباحٌ، وأمَّا الكَراهةُ فمِن أجْلِ تَعظيمِ المُصحَفِ مِنْ أنْ يُجعَلَ مُتَّجَرًا، ولأنَّ في ذلك نَوعَ امتِهانٍ، حيثُ جُعِلَ المُصحَفُ كالسِّلَعِ التي تُعرَضُ لِلبَيعِ والشِّراءِ.
واختَلَفوا أيضًا في حُكمِ بَيعِ المُصحَفِ لِكافِرٍ، هل يَجوزُ أو لا؟
فذهَب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في الأظهَرِ والحَنابِلةُ إلى حُرمةِ بَيعِ المُصحَفِ لِلكافِرِ، والبَيعُ صَحيحٌ، وإنْ مُنِعَ؛ لأنَّه يَمنَعُ مِنْ استِدامةِ مِلْكِه، فمُنِعَ مِنْ ابتِدائِه؛ لأنَّه يَستخِفُّ به، فيَرجِعُ ذلك إلى إذلالِ المُسلِمينَ.
ويُجبَرُ الكافِرُ المُشتَرِي بلا فَسخٍ لِلبَيعِ على إخراجِه عن مِلْكِه ببَيعٍ أو هِبةٍ لِمُسلِمٍ، ولو لِوَلَدٍ صَغيرٍ.
(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٤/ ٢٨٨) رقم (٢٠٢٢٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute