وأمَّا الحَنفيَّةُ فيَمنَعونَ الشِّراءَ له إذا كانَ أهلُ البَلَدِ في قَحطٍ وعَوَزٍ؛ طَمَعًا في الثَّمنِ الغالي؛ لِمَا فيه مِنْ الإضرارِ بأهلِ البَلَدِ، ويَشهَدُ لِهذا ما رُويَ عن أبي يُوسفَ: لو أنَّ أعرابًا قَدِموا الكُوفةَ وأرادوا أنْ يَمتاروا منها، ويَضُرُّ ذلك بأهلِ الكُوفةِ، قالَ: أمنَعُهم من ذلك، قالَ: ألَا تَرَى أنَّ أهلَ البَلدةِ يُمنَعونَ مِنْ الشِّراءِ لِلحُكرةِ؟! هذا أوْلَى.
واختلَف العُلماءُ أيضًا، هل لِلحَضَريِّ أنْ يُرشِدَ البَدَويَّ أو لا؟
فذهَب الإمامُ مالِكٌ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلحَضَريِّ أنْ يُخبِرَ البَدَويَّ بالأسعارِ، ولا أنْ يَستَشيرَه فيما فيه حَظُّه؛ لِمَا في ذلك مِنْ الضَّرَرِ بأهلِ الحاضِرةِ في قَطعِ المِرفَقِ الذي جعَله رَسولُ اللَّهِ ﷺ لَهم في الإصابةِ منهم؛ لأنَّهم إذا لَم يَعلَموا السِّعرَ فلَعَلَّهم أنْ يَرضَوْا بالبَيعِ بأقَلَّ مِنْ القِيمةِ.
وذهَب الحَنابِلةُ إلى أنَّه لا بَأْسَ إنْ أشارَ الحاضِرُ على البادي مِنْ غيرِ أنْ يُباشِرَ البَيعَ له؛ لِحَديثِ طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ ﵁ أنَّه قالَ لِلأعرابيِّ حينَ قَدِمَ عليه بحَلوبةٍ له يَبيعُها: إنَّ النَّبيَّ ﷺ نهَى أنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ، ولَكِنِ اذهَبْ إلى السُّوقِ فانظُرْ مَنْ يُبايِعُكَ وشاوِرْني حتى آمُرَكَ أو أنهاكَ.
وقالَ الشافِعيَّةُ: ولو أنَّ البَدَويَّ استَشارَ البَلَديَّ فيما فيه حَظُّه فهل يُرشِدُه إلى الِادِّخارِ والبَيعِ على التَّدريجِ؟ وَجهانِ:
أحَدُهما: يَجِبُ عليه إرشادُه إليه أداءً لِلنَّصيحةِ.
والآخَرُ: لا يُرشِدُه إليه؛ تَوسيعًا على النَّاسِ، ثم لو باعَ البَلَديُّ لِلبَدَويِّ