وذهَب الحَنابِلةُ في المَبيعِ إذا كانَ مَكيلًا أو مَوزونًا أو نَحوَهما إلى أنَّ المُشتَريَ بالخِيارِ، إنْ شاءَ فسَخ البَيعَ، وأخَذ الثَّمنَ الذي دَفَعَه إنْ كانَ، ولِلبائِعِ مُطالَبةُ مُتلِفِه ببَدَلِه، أي: بمِثلِه، إنْ كانَ مِثلِيًّا، وإلَّا فبِقيمَتِه؛ لأنَّه لمَّا فسَخ المُشتَرِي عادَ المِلْكُ لِلبائِعِ، فكانَ له الطَّلَبُ على المُتلِفِ، وإنْ شاءَ أمْضى البَيعَ، ويَنقُدُ لِلبائِعِ الثَّمنَ إنْ كانَ لَم يَدفَعْه، ويُطالِبُ المُشتَرِي مُتلِفَه، بائِعًا كانَ أو أجنبيًّا، بمِثلِه، إنْ كانَ مِثليًّا، وإلَّا فبِقيمَتِه؛ لأنَّ الإتلافَ كالعَيبِ، وقد حصَل في مَوضِعٍ يَلزَمُ البائِعَ ضَمانُه؛ فكانَ لِلمُشتَري الخيارُ، كالعَيبِ في المَبيعِ، وفارَقَ ما إذا كانَ بآفةٍ سَماويَّةٍ؛ لأنَّه لَم يُوجَدْ ما يَقتَضي الضَّمانَ، بخِلافِ ما إذا أتلَفَه آدَميٌّ، فإنَّ إتلافَه يَقتَضي الضَّمانَ بالبَدَلِ، وحُكمُ العَقدِ يَقتَضي الضَّمانَ بالثَّمنِ؛ فكانَتِ الخِيَرةُ لِلمُشتَرِي في التَّضمينِ بأيِّهما شاءَ.
أمَّا إذا لَم يَكُنِ المَبيعُ مَكيلًا أو مَوزونًا أو نَحوَهما، لَم يَنفَسِخِ البَيعُ عندَهم، ويُطالِبُ المُشتَرِي البائِعَ بالقِيمةِ (١). وهذا قَولٌ مَرجوحٌ عندَ الشافِعيَّةِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: إنْ تلِف المَبيعُ مِنْ ذلك قبلَ قَبضِه بآفةٍ سَماويَّةٍ بطَل العَقدُ، ورجَع المُشتَرِي بالثَّمنِ، وإنْ تلِف بفِعلِ المُشتَرِي استَقَرَّ الثَّمنُ عليه، وكانَ كالقَبضِ؛ لأنَّه تَصرَف فيه.
وَإنْ أتلَفَه أجنَبيٌّ لَم يَبطُلِ العَقدُ على قِياسِ قَولِه في الجائِحةِ، ويثبُتُ لِلمُشتَرِي الخِيارُ بينَ الفَسخِ والرُّجوعِ بالثَّمنِ؛ لأنَّ التَّلَفَ حصَل في يَدِ البائِعِ، فهو كحُدوثِ العَيبِ في يَدِه، وبينَ البَقاءِ على العَقدِ ومُطالَبةِ المُتلِفِ بالمِثلِ إنْ كانَ مِثليًّا، وبِهذا قالَ الشافِعيُّ، ولا أعلَمُ فيه مُخالِفًا.
(١) «كشاف القناع» (٣/ ٢٨٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute