للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطَفَت غيرَها لا يُخالِفونَ ذلك إلا لفائِدةٍ، فلو لم يَكُنِ التَّرتيبُ واجِبًا لمَا قطَعَ النَّظرَ عن نَظيرِه.

فإنْ قيلَ: فائِدتُه استِحبابُ التَّرتيبِ فالجَوابُ من وَجهَينِ:

أحدُهما: أنَّ الأمرَ للوُجوبِ على المُختارِ، وهو مَذهبُ جُمهورِ الفُقهاءِ.

والثاني: أنَّ الآيةَ بَيانٌ للوُضوءِ الواجِبِ لا للمَسنونِ فليسَ فيها شَيءٌ من سُننِ الوُضوءِ.

الدِّلالةُ الثانيةُ: أنَّ مَذهبَ العَربِ إذا ذكَروا أشياءَ وعطَفوا بَعضَها على بَعضٍ يَبتَدِئون الأقرَبَ فالأقرَبَ، لا يُخالِفون ذلك إلا لمَقصودٍ؛ فلمَّا بدَأَ سُبحانَه بالوَجهِ ثم اليَدينِ ثم الرأسِ ثم الرِّجلَينِ دَلَّ على الأمرِ بالتَّرتيبِ، وإلا لقالَ: فاغسِلوا وُجوهَكم وامسَحوا برُؤوسِكم واغسِلوا أَيديَكم وأرجُلَكم.

واحتَجُّوا أيضًا من السُّنةِ بالأَحاديثِ الصَّحيحةِ المُستفيضةِ عن جَماعاتٍ من الصَّحابةِ في صِفةِ وُضوءِ النَّبيِّ فكلُّهم وصَفوه مُرتَّبًا مع كَثرتِهم وكَثرةِ المَواطِنِ التي رأوْه فيها وكَثرةِ اختِلافِهم في صِفاتِه مَرةً ومَرتَين وثَلاثًا وغيرَ ذلك، ولم يَثبُتْ فيه مع اختِلافِ أَنواعِه صِفةٌ غيرُ مُرتبةٍ، وضَعَّفوا الحَديثَ الوارِدَ في ذلك، وفِعلُه بَيانٌ للوُضوءِ المَأمورِ به، ولو جازَ تَركُ التَّرتيبِ لتَرَكه في بعضِ الأَحوالِ لبَيانِ الجَوازِ كما ترَكَ التَّكرارَ في أَوقاتٍ، ولأنَّ الوُضوءَ عِبادةٌ تَشتمِلُ على أفعالٍ مُغايرةٍ يَرتبِطُ بَعضُها ببَعضٍ وجَبَ فيها التَّرتيبُ كالصَّلاةِ والحَجِّ (١).


(١) «الاستذكار» (١/ ١٤٣، ١٤٧)، و «بداية المجتهد» (١/ ٣٨)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ١٦٠)، و «مواهب الجليل» (١/ ٢٥٠)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٣٦٨، ٤٦٩)، و «المجموع» (١/ ٥٠٤، ٥٠٨)، و «كفاية الأخيار» ص (٦٦)، و «مغني المحتاج» (١/ ١٦١)، و «التحقيق» لابن الجوزي (١/ ١٢٤)، و «المغني» (١/ ١٧٢)، و «الإنصاف» (١/ ١٣٨)، و «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>